في الوقت الذي تسعى فيه العديد من دول العالم إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الصناعات التكنولوجية المتقدمة، لا تزال مصر تُبدّد فرصًا اقتصادية هائلة، عبر غياب الشفافية، والاحتكار العسكري لموارد طبيعية نادرة مثل الرمال السوداء التي تحتوي على الثوريوم، وهو عنصر مشع يُعتبر من أهم بدائل اليورانيوم في تشغيل مفاعلات الجيل الرابع النووية.
ويُحتكر استغلالها وتصديرها بنسبة تصل إلى 92% من قبل الجيش المصري، مما يثير تساؤلات حول عدم استفادة الاقتصاد الوطني بشكل كامل من هذه الموارد الحيوية.
احتياطي مصر من الرمال السوداء والوقود النووي
تُقدر الاحتياطيات المصرية من الرمال السوداء بملايين الأطنان، وتحتوي على نسب متفاوتة من الثوريوم واليورانيوم، ما يجعلها من أهم المصادر المحتملة للطاقة النووية النظيفة في المستقبل، مقارنة بالدول الكبرى في مجال الطاقة النووية مثل أستراليا التي تصدر 31% من اليورانيوم العالمي، فإن مصر تمتلك احتياطياً واعداً لكنه غير مستغل بشكل كامل داخلياً.
الثوريوم.. وقود المستقبل البديل
الثوريوم (Thorium) هو عنصر كيميائي مشع نادر، يُستخدم كوقود نووي بديل لليورانيوم، ويُعد أكثر أمانًا وأقل تلويثًا بيئيًا.
تؤكد تقارير وكالة الطاقة الذرية أن استخدام الثوريوم يقلل من النفايات النووية بنسبة 90% مقارنة باليورانيوم، كما أنه لا يمكن استخدامه في تصنيع الأسلحة النووية، مما يجعله الخيار الأمثل لأغراض الطاقة السلمية.
تتجه دول مثل الهند والنرويج والصين نحو الاستثمار في الثوريوم لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتجاوز أزمات الطاقة.
وتشير تقديرات صادرة عن "المؤسسة العالمية للطاقة" إلى أن احتياطي الهند وحدها يتجاوز 846 ألف طن، وهي الأولى عالميًا، بينما تبلغ تقديرات الاحتياطي العالمي أكثر من 6.2 مليون طن.
العائدات الاقتصادية واحتكار الجيش
تشير التقارير إلى أن عائدات تصدير الرمال السوداء تصل إلى 92% من قبل الجيش المصري، الذي يسيطر على عمليات استخراج وتصدير هذه الموارد، مما يحد من استفادة القطاع المدني والاقتصاد الوطني بشكل عام، هذا الاحتكار يثير انتقادات من الاقتصاديين الذين يرون أن فتح المجال للاستثمار المدني يمكن أن يعزز من العائدات ويخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى تطوير الصناعات المرتبطة بهذه المعادن.
فوائد الثوريوم واستخداماته
الثوريوم هو عنصر نووي يُعتبر وقوداً نظيفاً وآمناً مقارنة باليورانيوم، حيث يتميز بإنتاجه لطاقة أكبر مع نفايات نووية أقل وأمد أطول للتشغيل.
يستخدم الثوريوم في مفاعلات نووية متقدمة يمكن أن توفر حلاً لمشكلة الطاقة العالمية، خاصة مع تزايد الطلب على مصادر طاقة مستدامة وصديقة للبيئة، كما أن تطوير تكنولوجيا الثوريوم قد يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحد من الانبعاثات الكربونية.
لماذا لا تستفيد مصر داخلياً من الثوريوم؟
رغم توافر الثوريوم في الرمال السوداء، فإن مصر لم تستفد بعد من هذه الموارد داخلياً في إنتاج الطاقة النووية أو الصناعات المرتبطة بها، يعود ذلك إلى عدة عوامل منها:
- الاحتكار العسكري: حيث يسيطر الجيش على استخراج وتصدير الرمال السوداء، مما يحد من مشاركة القطاع الخاص والاستثمارات المدنية في هذا المجال.
- نقص البنية التحتية والتقنية: عدم وجود مفاعلات نووية متطورة أو مشاريع بحثية كافية لتطوير تكنولوجيا الثوريوم داخلياً.
- السياسات الاقتصادية: غياب استراتيجية واضحة للدولة للاستفادة من هذه الموارد في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الطاقي.
- المخاوف السياسية والأمنية: التي قد تعيق التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والدولية.
أكد خبراء الاقتصاد أن فتح المجال للاستثمار المدني في استخراج وتصنيع المعادن من الرمال السوداء يمكن أن يحقق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري، مشيرين إلى أهمية تطوير الصناعات المرتبطة بالطاقة النووية كجزء من استراتيجية تنويع مصادر الطاقة الوطنية.
من جهته، صرح مسؤول حكومي بأن هناك جهوداً جارية لتطوير البنية التحتية للطاقة النووية، لكنه أشار إلى أن الأمر يتطلب وقتاً واستثمارات ضخمة.
في المقابل، يرى بعض السياسيين أن احتكار الجيش لهذه الموارد يعزز من السيطرة الأمنية لكنه يعرقل التنمية الاقتصادية، مطالبين بضرورة مراجعة السياسات وفتح المجال أمام القطاع الخاص لتعزيز الشفافية والكفاءة.
بدأ الاهتمام بالثوريوم كوقود نووي منذ عدة عقود، لكنه شهد تسارعاً في السنوات الأخيرة مع التحديات البيئية العالمية وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري.
مصر أعلنت في السنوات الماضية عن خطط لتطوير الطاقة النووية، لكنها لم تدمج بعد الثوريوم في هذه الخطط بشكل فعّال.
في المقابل، تستمر صادرات الرمال السوداء إلى الخارج، مما يحقق عائدات مالية مهمة لكنها تذهب غالباً إلى جهات محددة دون استفادة عامة.
يمثل الثوريوم من الرمال السوداء في مصر فرصة استراتيجية لتعزيز الأمن الطاقي وتحقيق التنمية الاقتصادية ومع ذلك، فإن الاحتكار العسكري لعائدات التصدير، إلى جانب نقص الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، يحد من استفادة مصر داخلياً من هذه الموارد.