أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بتعليق المساعدات إلى جنوب إفريقيا، مدعيًا أنه يدافع عن أقلية مضطهدة بينما يفرض عقوبات على حكومة يتهمها بالتمييز العنصري. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فهذه الخطوة ليست مرتبطة بالعدالة، بل تهدف إلى حماية بقايا الفصل العنصري، ودعم الاستعمار الاستيطاني، والحفاظ على نظام عالمي قائم على التفوق العرقي والجغرافي.

لم يكن ترامب يتحرك بمفرده، بل وقف وراءه قوتان رئيسيتان: شبكة من المليارديرات الليبرتاريين المرتبطين بجنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري، واللوبي المؤيد لإسرائيل، وكلاهما مستثمر في الإبقاء على أنظمة الهيمنة العرقية والإقليمية.

 

مليارديرات الاستعمار

يُعد إيلون ماسك أحد أبرز الشخصيات في هذه الشبكة. فهو ليس مجرد رجل أعمال، بل جزء من ما يُعرف بـ"مافيا باي بال"، وهي مجموعة من الأثرياء الليبرتاريين الذين ينحدر العديد منهم من نخبة جنوب إفريقيا البيضاء. بيتر ثيل، أحد كبار داعمي ترامب، نشأ في مدينة جنوب إفريقية حيث كان يتم تمجيد هتلر علنًا، ويؤمن بتفوق القوة الاقتصادية على الديمقراطية.

ديفيد ساكس، رجل أعمال آخر ضمن هذه الدائرة، وُلد في كيب تاون ونشأ في بيئة البيض المترفة بجنوب إفريقيا. أما رولوف بوتا، المدير المالي السابق لباي بال، فله صلة مباشرة بالنظام العنصري؛ فجده بيك بوتا كان آخر وزير خارجية لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

هؤلاء الرجال هم ورثة مشروع استعماري لم يتم تفكيكه بالكامل أبدًا. فهم نشأوا في نظام يعامل التسلسل الهرمي العرقي والاقتصادي كحقيقة طبيعية، ويستخدمون اليوم ثرواتهم للحفاظ على إرثه. لذا، فإن معارضتهم لإصلاحات الأراضي في جنوب إفريقيا لا تتعلق بالعدالة، بل بحماية الوضع القائم، حيث لا تزال الأراضي في أيدي الأقلية البيضاء رغم انتهاء نظام الفصل العنصري رسميًا.

 

العلاقة بين إسرائيل والفصل العنصري

على الرغم من تبني ماسك لنظريات المؤامرة المعادية للسامية واستخدامه لرموز نازية، فإن ذلك لم يؤثر على موقف النخبة المؤيدة لإسرائيل منه. عندما قام مؤخرًا بحركة يُعتقد أنها تحية نازية خلال خطاب في واشنطن، لم يواجه أي إدانة جدية، بل دافع عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورابطة مكافحة التشهير (ADL). يبدو أن دعم ماسك لإسرائيل يحميه من أي انتقاد.

من بين داعمي ترامب الرئيسيين أيضًا، مريم أديلسون، المليارديرة التي تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار لحملته الانتخابية، ولعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل سياساته المؤيدة لإسرائيل. بالنسبة لها، يمثل ترامب أداة لتنفيذ خطة توسعية إسرائيلية طويلة الأمد، تشمل ضم الضفة الغربية بشكل رسمي.

التحالف بين هؤلاء المليارديرات الليبرتاريين واللوبي الإسرائيلي ليس جديدًا، بل متجذر في التاريخ. فقد كانت إسرائيل وجنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري حليفتين مقربتين، تشتركان في أيديولوجية عنصرية ومصالح مشتركة. فعندما قاطع العالم جنوب إفريقيا، ظلت إسرائيل أبرز داعميها، حيث زودتها بتكنولوجيا الأسلحة وساعدتها في تطوير برنامجها النووي.

 

ازدواجية ترامب

موقف ترامب من جنوب إفريقيا يكشف عن تناقض صارخ. فهو يدين إصلاحات الأراضي التي تهدف إلى تصحيح قرون من الاستيلاء العنصري، لكنه يدعم علنًا استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. كما أنه يعارض سياسات جنوب إفريقيا الرامية إلى إعادة توزيع الأراضي بطريقة منظمة، لكنه يؤيد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني.

بل إنه مضى إلى أبعد من ذلك، حيث عرض اللجوء على المزارعين البيض في جنوب إفريقيا، بينما يحظر دخول اللاجئين الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة. هذا النفاق لم يغب عن وزارة الخارجية الجنوب إفريقية، التي سخرت من قراره بقولها: "من المفارقات أن يوفر الأمر التنفيذي وضع اللاجئ لمجموعة في جنوب إفريقيا تتمتع بامتيازات اقتصادية، بينما يتم ترحيل ورفض لجوء أشخاص يعانون من ظروف قاسية في أماكن أخرى".

 

معركة قانونية ضد إسرائيل

لم يكن من قبيل الصدفة أن تتصدر جنوب إفريقيا الجهود القانونية لمحاسبة إسرائيل، حيث قدمت دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب إبادة جماعية في غزة. هذه الخطوة لم تكن مجرد معركة قانونية، بل عملًا مقاومًا يعكس التزام جنوب إفريقيا المستمر بمناهضة القمع، ويكشف الروابط العميقة بين النضال ضد الفصل العنصري والاستعمار.

لكن هذا التحدي جلب لجنوب إفريقيا انتقامًا سريعًا، حيث تسعى إدارة ترامب واللوبي الإسرائيلي إلى معاقبتها على موقفها.

 

الفصل العنصري في فلسطين وجنوب إفريقيا

صرح جون دوجارد، المحامي الجنوب إفريقي وخبير حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بأن "الفصل العنصري كان يتمحور حول الأرض"، حيث تم الاستيلاء على الأراضي الخصبة لصالح الأقلية البيضاء، بينما تم إجبار الأغلبية السوداء على العيش في مناطق هامشية. الأمر ذاته يحدث في فلسطين اليوم، حيث يتم استخدام القوة والقوانين لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

أما روني كاسريلز، الوزير الجنوب إفريقي السابق والناشط المناهض للفصل العنصري، فقد ذهب أبعد من ذلك بقوله: "كان الفصل العنصري امتدادًا للمشروع الاستعماري الهادف إلى تجريد السكان الأصليين من أراضيهم." وهذا بالضبط ما يحدث في إسرائيل والأراضي المحتلة.

لم يكن نيلسون مانديلا أقل وضوحًا عندما قال: "لن تكتمل حريتنا دون حرية الفلسطينيين."

 

معركة من أجل العدالة

السؤال المطروح اليوم ليس فقط ما إذا كانت جنوب إفريقيا ستتعرض للعقوبات بسبب تحديها للفصل العنصري، أو ما إذا كانت إسرائيل ستحصل على السيادة الكاملة على الأراضي المحتلة، بل ما إذا كان العالم سيسمح مجددًا للاستعمار والعنصرية والفصل العنصري بأن تحدد النظام الأخلاقي العالمي.

لأن الصراع، من جوهانسبرج إلى غزة، ومن بريتوريا إلى الضفة الغربية، هو في جوهره واحد.

https://www.middleeasteye.net/opinion/south-africa-palestine-trumps-war-defend-apartheid