تتسارع الأصوات الإسرائيلية للتأكيد على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية المتاخمة لحدود مصر، تزامنًا مع توالى الجهود العربية الأمريكية، لإنجاز هدنة مؤقتة في قطاع غزة وصفت صفقتها بإعلام إسرائيلي، بأنها "مرنة".

وبزعم أنها “المعقل الأخير لحركة حماس”، يُصر نتنياهو على اجتياح رفح، رغم تحذيرات دولية من تداعيات كارثية محتملة، في ظل وجود نحو 1.4 مليون نازح فيها.

وقال مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون لموقع “واللا” الإسرائيلي إن نتنياهو هدد بأنه “إذا لم تتخل حماس عن طلب إنهاء الحرب، فلن يكون هناك اتفاق وسيتم اجتياح رفح”.

ومن جهة أخرى، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، اليوم الأربعاء، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن واشنطن تعارض حاليًا أي عملية عسكرية إسرائيلية واسعة بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.

ومساء الثلاثاء، بدأ بلينكن زيارة إلى تل أبيب قادمًا من الأردن والسعودية، في سابع جولة بالمنطقة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن بلينكن قال لنتنياهو خلال لقائهما إن الولايات المتحدة تعارض حاليًا عملية للجيش الإسرائيلي في رفح على الحدود مصر.

 

أسباب إصرار نتنياهو لاجتياح رفح

ورأى محللون أن إصرار نتانياهو على تنفيذ عملية عسكرية في رفح، رغم الأحاديث عن تقدم في مفاوضات إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، ينبع من أهداف قديمة وأخرى حديثة جميعها شهدت تطورات على مدار الأشهر الأخيرة.

ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطًا داخلية قوية من اليمين المتطرف لتنفيذ هجوم رفح، فيما تضغط أسر الرهائن المحتجزين في قطاع غزة من أجل صفقة لعودة ذويهم ويرون أنها لن تكون واقعية حال هاجم الجيش رفح.

قال نتانياهو، الثلاثاء، إن جيش بلاده سينفذ عملية برية ضد حركة حماس في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن أم لا.

وهذه هي أهم أسباب نتنياهو لاجتياح رفح:

 

إنقاذ الأسرى وتدمير حماس

ومن جانبه قال رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، سمير غطاس، إن إصرار نتانياهو على عملية رفح يعود "لأن هذا هو موقفه الأولي منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر ويعتقد أن الحل العسكري هو الوحيد الذي سوف ينقذ ما تبقى من الرهائن ويدمر ما بقي من قدرات حماس".

 

الخوف من إحالته للمحاكمة

وأشار غطاس أيضًا إلى أن نتانياهو "يشتري الوقت لأن الحرب لو انتهت سيُحال إلى المحاكمة في القضايا الأربعة المتعلقة بالفساد بجانب التحقيقات حول مسؤوليته المباشرة في ما حدث في السابع من أكتوبر".

 

تهديدات بالانسحاب من الحكومة

وأثار احتمال عقد صفقة بين إسرائيل وحماس، استياء وغضب وزراء اليمين المتشدد بإسرائيل، إذ هدد وزيرا المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها، حال إنهاء الحرب على غزة أو التراجع عن اجتياح مدينة رفح، وفقًا لما ذكر موقع "تايمز أوف إسرائيل".

قال المحلل السياسي الإسرائيلي، أمير أورون، إن نتانياهو يصر على عملية رفح "لاعتبارات سياسية داخلية، حيث هدد الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير بإسقاط الحكومة حال عدم تنفيذ عملية عسكرية في رفح"، وفقًا لموقع "الحرة".

واعتبر سموتريتش، الثلاثاء، أن ذلك المسار "سيعرض إسرائيل للخطر"، قائلًا إنه "مستعد لدفع الثمن السياسي لمنع أي تهديد وجودي" لبلاده، حتى لو كان ذلك يعني "الذهاب إلى المعارضة".

واشتكى من أن "مجلس الوزراء الحربي وافق بشكل أعمى على البدء بمناقشة نهاية الحرب قبل هزيمة حماس، والتخلي عن دخول رفح".

ويريد نتنياهو من وراء هذه العملية العسكرية المحافظة على حكومته وائتلافه الحاكم الهش، وبالتالي كلما أوغل في قتل الفلسطينيين كان هناك امتداد للحرب كلما كان محافظًا على هذا الائتلاف ومتماسكًا.

 

ليس لديه عذر سياسي

أبلغ زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، الأربعاء، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “ليس لديه عذر سياسي” لعدم إبرام صفقة لإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة.

وقال لبيد، زعيم حزب “هناك مستقبل”، عبر منصة “إكس”: “تحدثت مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وناقشنا الجهود الدولية لدفع صفقة الرهائن”.

وأضاف: “قلت له إن نتنياهو ليس لديه عذر سياسي لعدم الذهاب إلى صفقة إعادة المختطفين، فلديه أغلبية بين الشعب (بخصوص الأسرى)، ولديه أغلبية بالكنيست، وإذا لزم الأمر سأتأكد من حصوله على الأغلبية في الحكومة”، وفقًا لـ"صحيفة القدس".

 

قتل الفلسطينيين وتهجيرهم

ويفند عمر رحال، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، الأسباب والدوافع وراء إصرار نتنياهو على الاجتياح البري لقطاع غزة.

قال "رحال": "يوجد مجموعة من الأهداف التي يرغب بنيامين نتنياهو بتحقيقها وأن يتحصل عليها من خلال اجتياح مدينة رفح، يأتي على رأسها أن يوقع المزيد من الضحايا في صفوف الفلسطينيين جراء هذا الاقتحام والاجتياح، إضافة إلى التهجير القسري للفلسطينيين"، وفقًا لـ"المصري اليوم".

 

الحفاظ على مستقبله السياسي

واستطرد أستاذ العلوم السياسية: «هناك هدف شخصي لنتنياهو بأن يبقى لأكبر فترة ممكنة في كرسي الحكم في إسرائيل وفي المشهد السياسي وبالتالي يريد إطالة أمد الحرب وأن يحافظ على مستقبله السياسي، بالإضافة إلى الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وأن ينجح في مناورتها في مواجهة مطالباتها الدائمة بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية وتجنب استهداف المدنيين في قطاع غزة، من أجل تقديم المزيد من المساعدات له وتقديم المزيد من الدعم السياسي الدولي للعملية العسكرية في قطاع غزة.

واختتم "رحال" حديثه قائلًا: "كما أن ذلك مرتبط في الداخل الإسرائيلي، فيما يتصل بتحقيق أهداف العدوان على القطاع والمتمثلة (باجتثاث المقاومة) وأيضًا تحرير الأسرى تحت الضغط العسكري، وأنه هو من يقرر وقف الحرب بالوقت الذي يراه مناسبًا، بمعنى أنه هو الذي يحدد قواعد اللعبة والاشتباك".

 

حماس ترد

من جهتها، قالت كتائب عز الدين القسام إن المصالح السياسية الشخصية لنتنياهو هي السبب في بقاء الأسرى الإسرائيليين محتجزين في قطاع غزة.

وقالت الكتائب في منشور على تليجرام باللغتين العربية والعبرية: "بسبب المصالح السياسية لنتنياهو.. ما زال أبناؤكم في الأسر".

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الأربعاء، ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي إلى "34 ألفًا و568 شهيدًا و77 ألفًا و765 مصابًا".

وتتعرض حكومة نتنياهو لانتقادات شديدة في الأوساط الإسرائيلية جراء فشل التنبؤ المسبق بهجوم حركة "حماس" على مستوطنات محاذية لقطاع غزة في 7 أكتوبر، وطريقة تعاطيها مع ملف المحتجزين الإسرائيليين في القطاع.

ومنذ ذلك التاريخ يشن الجيش الإسرائيلي حربًا مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وفق مصادر فلسطينية، ما استدعى محاكمة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بدعوى "إبادة جماعية".