بقلم : شعبان عبد الرحمن*
تاريخ الوطنية المصرية - وفي القلب منه "جماعة الإخوان المسلمون" - حافل بسجلات مشرقة لنضال أفراد وعائلات بأكلمها.. ومنها تاريخ "آل الحداد" الذي يصنعه ثلاثة من الإخوة النابغين علميًا والناجحين عمليًا هم: المهندس مدحت الحداد، والدكتور عصام الحداد، والمهندس هشام الحداد، ومن قبلهم والدهم المهندس أحمد محمود الحداد نائب وزير التعمير الأسبق وممثل مصر الدائم في مؤتمر الطرق الدولي التابع للأمم المتحدة، ومن خلفهم وحولهم جمع من الأبناء والأحفاد.. ويجمعهم جميعًا نبوغًا علميًا ونجاحًا عمليًا، ويضاف إلى ذلك الأصل الضارب بجذوره في أعماق التربة الاجتماعية المصرية المشبّعة بروح الإيمان والعلم، فهم أحفاد الشيخان محمود الحداد وطه إبراهيم طبانه، من علماء الأزهر الشريف.
أقول جمع هؤلاء جميعًا (آل الحداد) نبوغًا علميًا قادهم لأرفع الكليات الجامعية وأدق التخصصات بين الطب والهندسة، ونجاحًا في الحياة العملية أنشأوا من خلاله مشاريع اقتصادية كبرى، وشيدوا مؤسسات يشار إليها بالبنان، وأبدعوا في كل مجال ولجوه، وتلك نعمة أنعم الله بها عليهم جزاء استقامتهم علي طريق الله من الجد إلي الحفيد، وذلك بانتماء فريق منهم إلى جماعة الصامدين.. جماعة "الإخوان المسلمون" وثباتهم علي طريق دعوتها رغم ما يصيبها من عسف وتنكيل وسجون وموت في سبيل الله .
هشام الحداد ..
تذكرت تلك العائلة الأصيلة وأنا أتابع خبر وفاة أحدهم وهو المهندس هشام الحداد – يرحمه الله – الذي لقي الله مظلومًا فى سجن العاشر من رمضان صباح يوم الجمعة غرة شعبان 1446 الموافق 31/1/2025م.
لقد اختار الرجل التركيز في حياته العملية ومهنته ومشاريعه التي لاقت نجاحًا ورواجًا لافتًا، مكتفيًا في مجال العمل العام بتجربته الناجحة بمشاركاته في الاتحادات الطلابية حيث كان رئيسًا لاتحاد طلاب كلية الهندسة – جامعة الإسكندرية، منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي، ثم أصبح رئيسًا لاتحاد طلاب الجامعة عام 80-81.. ثم مشاركته في انتخابات نقابة المهندسين في الفترة من عام 85- 87، وتشهد له بمآثر وإنجازات متعددة.
شهادة رفاق الدرب
وقد أجمل لي تلك الانجازات شقيقة الأكبر م. مدحت الحداد قائلاً: "فقد لازمته ملازمة لصيقة جدًا لمدة عامين بعدما استجاب "الإخوان المسلمون" لتوجيهات الأستاذ عمر التلمساني، المرشد العام للجماعة في ذلك الوقت، بالمشاركة في انتخابات عام 1985م البرلمانية.
وأطيب ما يتصف به هشام الحداد أنه نموذج يقتدى به للقائم بالعبادات متعدية النفع على الآخرين، وأنه يسبق كل من حوله بالأفكار المبتكرة وسرعة إنجازها، وهنا لزم الهمس في أذن الإخوان أننا لا نجيد التعامل مع هذه الأنماط لأسباب يطول شرحها فيلزم لذلك مراجعات.
أما الشواهد على ذلك فإن كل مجالس نقابة المهندسين المتعاقبة تعمل حتى الآن على هدي ما أسسه هشام الحداد خلال عامين، فقد نجحنا في مجلس إدارة النقابة عام 1958 وكان رأس مالها 600 جنيه شهريًا، وكانت نقابة الإسكندرية مديونة لموظفيها، وبعد عامين ارتفعت الميزانية إلى 2 مليون جنيه تقريبًا، بعد تفعيل قانون الدمغة الهندسية، وكان أصعب ما في ذلك وضع دورة مستندية تحفظ حق النقابة وتمنع من الإنحراف، وكان لهشام الجهد الأكبر في تحقيق ذلك.
وهو صاحب المبادرة الأولى في تنظيم أول معرض للسلع المعمرة في نقابة المهندسين، تم تنفيذه وإدارته بجهود ذاتية كبيرة - صعب وصفها - وبالتعاون مع بنك فيصل، ثم ثاني معرض بالتعاون مع بنك قناة السويس بدون فائدة ومع نسبة لا تذكر لتغطية تكاليف المعرض.. وبعد هذين المعرضين ظهرت شركات كثيرة لإدارة المعارض.
أما نادي المهندسين فكان خرسانة يتندر أهل الأسكنرية على المهندسين بها، وكانت معضلته إما أن نفتح ملف فساده أو نفتح النادي للمهندسين، وبفضل الله ثم بجهود هشام الحداد تم فتح النادي في أقل من عام.
ويضيف م. مدحت قائلاً: أما إجراءات تخصيص مجاورتين في مدينة برج العرب والتي يتم تسليم وحداتها حتى الآن، وتخصيص أرض نادي مطروح فقد تم أيضًا خلال هذين العامين، ولا زيادة نعرفها للمجالس بعد ذلك غير مبنى النقابة في بور سعيد وما يحمله من انتقادات.
لقد كانت جهود المجالس التالية بعد عامي هشام الحداد تعمل على النادي والمجاورتين ونادي مطروح
وكانت تحت لقب الأمين المساعد الذى لم يكن موجودًا في هيكل النقابة وكنت أنا أمين الصندوق.
ولما استلم المجلس الجديد النقابة بعد عامين حرمنا من جهود هشام المبتكرة وإنجازه السريع..
وأخيرًا؛ وفي هدوء وصمت ارتقى أخي الحبيب لقلبي إلى خالقه.. نحتسبه شهيدًا والله حسيبه.. وتلك شهادة أنسب فيها الفضل لأهله وبأمانة.. فاللهم ارحمه واغفر له".
ويقول عنه م. محمد فريد، زميله فى مجلس إدارة نقابة مهندسي الإسكندرية، على حسابه على "ميتا".. فيس بوك :"كان هشام الحداد يسبق كل من حوله بالأفكار المبتكرة وسرعة إنجازها، وكان نموذجًا يقتدى به للقائم بالعبادات متعدية النفع على الآخرين".
ولم تقتصر جهود هشام الحداد علي نقابة المهندسين بل انطلق - مستقلاً - في إنشاء الشركات و إدارة المشروعات الكبرى التي أهّلته للانتماء للاتحادات العربية ثم الاتحادات الدولية، ويشهد له بذلك رفيق دربه د. أحمد مطر قائلاً على حسابه على "ميتا "فيس بوك: "انطلقنا في العمل المجتمعي بإنشاء الجمعية المصرية للتنمية العقارية، ثم إنشاء أول اتحاد عربي للمعارض والمؤتمرات عام 1995م كأحد الاتحادات العربية المتخصصة التابعة لجامعة الدول العربية، فكانت تجربة نجاح شهد بها الجميع، ثم انطلق إلى الساحة الدولية ليشارك في الاتحاد الدولي للمعارض UFI ويتم انتخابه عضوًا بمجلس الإدارة عام 2001م ثم نائبًا للرئيس في 2007م كأول عربي يصل إلى هذا المنصب.
لقد تميز هشام الحداد بالخلق الرفيع والذوق الراقي، وكان بارًا بوالديه، حريصًا على فعل الخير، مناصرًا للحق" انتهى .
مدحت الحداد ..
وهكذا اتخذ هشام الحداد (مواليد 5/5/1959م) – يرحمه الله - طريق الكد والكفاح العلمي والعملي متسلحًا بالتوكل على الله والخُلق الرفيع، بينما اتخذ أخواه م.مدحت ود.عصام الحداد طريق الكفاح الدعوي والنضال السياسي ضمن قافلة جماعة "الإخوان المسلمون"، فشقيقه الأكبر م. مدحت الحداد (مواليد 25/12/1949م)، هو خريج كلية الهندسة - جامعة الإسكندرية عام 1972م، وعضو مجلس شورى عام جماعة الإخوان، ورئيس المكتب الإدارى لإخوان الإسكندرية حتى انقلاب يوليو عام 2013م.
وهو حاصل على :
- بكالوريوس الهندسة، قسم الهندسة المدنية في جامعة الإسكندرية 1972م.
- بكالوريوس التجارة، قسم إدارة أعمال في نفس الجامعة عام 1976م .
- دبلوم الدراسات الإسلامية عام 1986م .
- ليسانس كلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهر الشريف عام 2005م .
- شارك في حرب العاشر من رمضان - 6 أكتوبر 1973م ضمن سلاح المهندسين العسكريين.
- عمل مهندس تنفيذ مشروعات في شركة النيل العامة للطرق والكباري وشارك في إنشاء العديد من المشروعات مثل إنشاء دشم الصواريخ والردارات لسلاح المهندسين، والطرق والكباري والمطارات والسكك الحديدية والمباني الإدارية وذلك قبل الاستقالة من الشركة عام 1978م .
- وبعد عمله رئيسًا لمجلس إدارة كل من الشركة العربية للتعمير ش.م.م والجمعية التعاونية للأعمال الهندسية بمحافظة الإسكندرية، أسس أكثر من عشر شركات مساهمة وشركات الأشخاص في مجالات المقاولات – الاستثمار العقاري – التصدير والاستيراد – تنظيم المعارض، وتخرج في شركاته نخبة من أكفأ المهندسين والإداريين وأصحاب شركات المقاولات والاستثمار العقاري بالقاهرة والإسكندرية.
وعلى صعبد العمل الدعوي ضمن جماعة الإخوان أصابه ما أصاب العديد من إخوانه، فقد تم اعتقاله ثلاث مرات: عام 1995م بسبب ترشيح الجماعة له فى انتخابات مجلس الشورى ثم مجلس الشعب، ثم اعتقاله عام 98، ثم فى عام 99 وتم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بمحكمة عسكرية، فيما تسمى قضية النقابات المهنية، وأعيد اعتقاله مرة أخرى عام 2003م بسبب الاحتجاج ضد الحرب على العراق، ثم فى 2004م بعد عودة حسنى مبارك من أمريكا، وتم تعذيبه في مقر أمن الدولة بمدينة نصر!! وفي عام 2007م تم الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات - مرة أخرى - من محكمة عسكرية فى القضية المسماة إعلاميًا" قضية مليشيات الأزهر"، وهى المحاكمة العسكرية السابعة لقيادات الإخوان المسلمين فى عهد مبارك .
وما يزال مدحت الحداد إلى اليوم مهاجرًا بدينه خارج وطنه، ومكافحًا - بما يستطيع - فى سبيل ربه.
عصام الحداد..
أما شقيقه الثاني الدكتور عصام الحداد (مواليد الإسكندرية - 14 نوفمبر 1953م)، فقد انتسب لجماعة الإخوان، وأصبح عضوًا في مكتب إرشادها (أعلى هيئة إدارية في الجماعة) وذلك قبل تعيينه مساعدًا لرئيس جمهورية مصر العربية، للشئون الخارجية في ٢٧ أغسطس 2012م، ويعد من أهم الشخصيات المؤثرة داخل الفريق الرئاسى المعاون للرئيس محمد مرسي – يرحمه الله - وبالمناسبة فقد كان مديرًا لحملة د.مرسى الانتخابية الرئاسية، وبات صاحب دور مؤثر فى بناء العلاقات الخارجية مع دول العالم الكبرى في ذلك الوقت .
كان المسئول عن ملف العلاقات الخارجية داخل كل من جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، ولم يتبوأ تلك المواقع من فراغ وإنما أهلته لها مهاراته السياسية وعلاقاته الدولية الواسعة، فرغم أنه طبيب متخصص في التحاليل الطبية إلا أنه اكتسب خبرة سياسية منذ انتسابه لكلية طب الإسكندرية، فكان كشقيقه م هشام – يرحمه الله - صاحب نشاط طلابي بارز، حيث انتخب رئيسًا لاتحاد طلاب كلية الطب، ومن هناك انطلق إلى ممارسة العمل السياسي من أوسع أبوابه .
وعلى التوازي من ذلك فهو صاحب همة علمية عالية، فقد سافر إلى ألمانيا وشارك في أبحاث علمية للتحاليل الطبية، كما سافر إلى إنجلترا للحصول على الدكتوراه في الطب، وإضافة لذلك حصل على ماجستير إدارة الأعمال بجامعة أستون البريطانية.. وتولى رئاسة هيئة الإغاثة الإنسانية ومقرها برمنجهام، والتى حصلت على المركز الأول بين جميع مؤسسات العمل المدنى والإغاثى فى بريطانيا، وحصلت على جائزة تونى بلير، رئيس الوزراء، وقدرها مليون جنيه إسترلينى.
في سجون الانقلاب
ومنذ انقلاب الأربعاء 3 يوليو 2013 م على الرئيس المنتخب محمد مرسي – يرحمه الله – تم وضع عصام الحداد والفريق الرئاسي فى مقر الحرس الجمهورى، ولم يوجه إليه أى اتهام حتى تسلمه فريق من الأمن الوطنى فى ديسمبر 2013م، وتم الادّعاء بأنه تم القبض عليه فى شقة بمدينة نصر!! وظل رهن الإخفاء القسري وبمعزل عن العالم الخارجي دون أن تعلم أسرته ولا ممثلوه القانونيون بمكان إخفائه، وتم توجيه تهمة التخابر إليه ولكن تمت تبرئته منها فى محكمة النقض، ورغم ذلك تم الحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة الانتماء إلى جماعة "الإخوان المسلمون"!! وأنهى مدة الحكم فى نهاية عام 2023م، ولكن السلطات رفضت إطلاق سراحه، وتم الزج به فى قضية جديدة حتى لا يتم الإفراج عنه حتى الآن .
وهكذا تنقل الدكتور عصام الحداد في سجون مصر شديدة الحراسة حتى اليوم، وتم التحفظ علي أمواله وتجميد ممتلكاته حتى سيارته الخاصة، وتم حرمانه داخل السجن من الزيارات العائلية والرعاية الطبية، وتعرض في فترات عديدة للحرمان من كل شيء تقريبًا حتى الورقة والقلم والتريض!! . كما وقع تحت تنكيل وتجويع وحرمان من أبسط حقوق السجين مما أفقده جزءًا كبيرًا من وزنه وأدى لإصابته - وفق إفادة محاميه - بعدة أمراض منها :
- ضغط الدم المرتفع والاضطرابات القلبية.
- انخفاض سيولة الدم .
- الحساسية الشديدة المرتبطة بالضغط النفسي وتصل في شدتها إلي تورم الوجه واللسان .
- خشونة الركبتين.
وقد حصل على قرار من المحكمة عام 2017 م بإجراء عملية لتركيب دعامات بالقلب، إلا أن قرار المحكمة لم ينفذ حتى اليوم.. ولا يعد ذلك إهمالاً طبيًا فقط بل هو محاولة قتل عمد مع سبق الإصرار!
جهاد الحداد ..
أما نجله المهندس جهاد عصام الحداد (مواليد 29/9/1981م ) المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان
فقد نال جانبًا من هذا التنكيل، وتم الحكم عليه بحكمين بالمؤبد، وتم الزج به فى سجن العقرب شديد الحراسة الذى سبقه إليه والده لكن دون أن يلتقيا أبدًا! وهناك وقع تحت تنكيل وتجويع وحرمان من أبسط حقوقه مما اضطره للإضراب عن الطعام عدة مرات، وأصيب بالتهابات حادة فى الركبتين وكان يتحرك بعكازين بعد أن فقد القدرة على المشى!! ثم حكمت محكمة النقض ببرائته فى القضيتين!! وبالفعل خرج كل زملائه من السجن، إلا جهاد الحداد فقد تم تحويله إلى معتقل سياسي بتهم ملفقة وما يزال فى السجن إلى يومنا هذا!.
وهكذا.. تتواصل مسيرة "آل الحداد" التاريخية الناجحة.. جيلاً بعد جيل.. من الجد إلى الأب والحفيد "ذرية بعضها من بعض".. في تسلسل يثير الاحترام والتقدير، وهو نفس حال غيرها من الأسر والعائلات والأفراد الذين تميزوا بعطائهم وصبرهم وثباتهم على طريق الإسلام الحنيف والملهم.. وعلى طريق بناء الوطن ورفعته وصون كرامته .
---------------
- مدير تحرير المجتمع الكويتية والشعب المصرية - سابقًا