يواصل الجنيه الهبوط مقابل الدولار في البنوك وشاشة البنك المركزي المصري، حيث أغلق سعر الدولار في مصر اليوم عند 50.49 جنيه للدولار.

وتصاعدت وتيرة تخارج الأجانب من الديون الحكومية في مصر، مع ارتفاع الدولار وتوقعات استمرار ضعف الجنيه، فقد باع الأجانب صافي أوراق دين بقيمة تزيد عن 1.13 مليار دولار منذ بداية نوفمبر وحتى نهاية تعاملات الأحد الماضي، بينهم 484 مليون دولار في تداولات الأسبوع الماضي.

ارتفعت عوائد أذون الخزانة المصرية قصيرة الأجل التي تقبل فيها وزارة المالية مبالغ كبير بنحو 1% عائد الأذون أجل 91 يومًا إلى نحو 31.4%، وأجل الأذون 182 يومًا إلى 30.99%، وفقًا لـ"العربية".

واستمر الاتجاه البيعي يومي الأحد والاثنين الماضيين لتصل صافي مبيعاتهم إلى نحو 8 مليارات جنيه، ما يعادل 158.5 مليون دولار.

في الوقت نفسه، كان العرب مشترين صافيين بنحو 155 مليون دولار خلال نوفمبر، لكن منذ بداية ديسمبر تحولوا إلى صافي بيع 87 مليون دولار، لتسجل معاملاتهم منذ بداية نوفمبر وحتى الأحد صافي شراء قدره 67 مليون دولار بحسب بيانات البورصة المصرية.

 

أسباب تخارج الأموال الساخنة

تخارج استثمارات الأجانب وخاصة الصناديق أمر منطقي ومتوقع مع نهاية العام، لجني أرباح استثماراتهم بمكاسب بين 15 و20%"، ومن المتوقع عودة أحجام الاستثمار في أدوات الدين الحكومية إلى طبيعتها بحلول يناير أو فبراير من العام المقبل، وفقًا لـ"العربية بيزنس".

وقال مدير وحدة أدوات الدين بشركة "نير للاستشارات" محمد النجار، إن هناك عوامل عديدة زادت مخاوف المستثمرين الأجانب تجاه أدوات الدين المصرية، مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه نتيجة ظروف خارجية بعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية.

وأضاف النجار أن انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار دفعت المستثمرين لزيادة مبيعاتهم في أدوات الدين المصرية خلال نوفمبر وديسمبر الجاري، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وبخاصة سوريا وهو ما زاد من مخاوفهم من المنطقة ككل، وفقًا لـ"العربيو بيزنس".

وتابع: "أعتقد أن زيادة معدل المخاوف لدى المستثمرين أدى إلى ارتفاع الطلب على الدولار، وهو ما انعكس على انخفاض سعر صرف الجنيه أمام العملة الأمريكية خلال الفترة القصيرة الماضية".

وأوضح أن هناك حالة من الترقب في أوساط المتعاملين بشأن التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وهو ما سيدفع المستثمرين لإعادة النظر في استثماراتهم خلال الفترة القصيرة المقبلة.

وذكر أن قرب فترة أعياد نهاية العام ومطلع العام الجديد، يصاحبه إغلاق بعض المراكز المالية بنهاية العام وفتح مراكز جديدة مطلع العام المقبل.

وبين أن كل تلك العوامل تؤثر على مخاوف المستثمرين، وتدفعهم إلى البيع في أدوات الدين المصرية وزيادة الطلب على الدولار، مما يدفع الجنيه للتراجع.

وفيما يتعلق بحركة السوق الأولية لأدوات الدين المصرية، قال النجار، إن السوق لم تمت وهناك حالة من الترقب والانتظار في أوساط المستثمرين، وهو ما يظهره زيادة المستثمرين بأدوات الدين قصيرة الأجل عوضًا عن طويلة الأجل خلال الفترة الحالية، حيث "تشهد أداوت الدين المصرية قصيرة الأجل زيادة في العوائد لتصل إلى 31% والمتوقع مع نهاية العام عدم تجاوز حاجز 32% والاستقرار في نطاق 31.5 - 31.6%"، بحسب النجار.

وأشار إلى أن تراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 25.5% مخالفًا توقعات المحللين رغم زيادة أسعار الوقود والسجائر وغيرها.

وتابع: "تراجع معدلات التضخم ستدعم قرار البنك المركزي بالإبقاء على معدلات الفائدة مستقرة خلال اجتماعه المقبل، وقد تستمر حتى الربع الأول من عام 2025، وأي تغيير قد يحدث بين الربع الثاني والثالث من العام المقبل".

 

مخاطر مرتفعة

وأكد المحلل الاقتصادي، هاني جنينة، في تعليق سابق له، على تجنب تكرار أزمة خروج الأموال الساخنة، قائلاً "أنا ضد تدفقات الأموال الساخنة قلبًا وقالبًا وأتمنى وضع عوائق للاستثمار بها"، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أهميتها في تمويل جزء من متطلبات الدولة، إلا أنها محفوفة بالمخاطر المرتفعة.

وطالب جنينة بأهمية فرض ضريبة على المستثمر سريع الخروج، وأخرى أقل لفترات الاستثمار الأطول، مع إعفاء الاستثمارات التي تتعدى العام على سبيل المثال من الضرائب، بهدف ضمان استقرار أفضل للتدفقات الأجنبية في أذون الخزانة.

ويري المحلل المالي الأول بشركة النعيم القابضة هشام حمدي، أن خروج الأجانب المفاجئ من استثمارات الأذون يُعرض السوق لصدمة، ويؤثر على سعر الصرف في المقام الأول.

وأشار حمدي إلى أهمية اتباع سعر صرف حر يُسهل إدارة السيولة وقت خروج الأجانب، ويقلل من حدة التذبذبات، موضحاً أن آلية فرض الضرائب على التخارج من الأذون، تهدد معدلات التدفق للداخل.

 

ما هي الأموال الساخنة؟

قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة، شريف عباس، إن "الأموال الساخنة هي جميع التدفقات المالية التي تدخل الدول أو تخرج منها بهدف الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي خاص فيها، مثل ارتفاع معدلات الفائدة أو تدني سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، وغالبًا ما تكون هذه الأموال موجهة نحو الاستثمارات قصيرة الأجل".

وأضاف "وتضمن الأموال الساخنة حصول المستثمرين على معدلات فائدة مرتفعة، وتتحرك هذه الأموال من الدول التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة إلى الدول ذات معدلات الفائدة المرتفعة"، وفقًا لموقع "الحرة".

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بكلية لندن للاقتصاد البريطانية، شادي ديفيد، إن "الأموال الساخنة تدخل لبلد ما أو تخرج منه بعدة طرق للاستفادة من تدني العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفائدة، أو الاستفادة من النمو المتسارع للاقتصاد".

وأضاف أن "هذه الأموال تتحرك عن طريق أكثر من باب، منها استثمارات في أذون الخزينة أو السندات التي تطرحها الحكومة بغرض الاقتراض، واستثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة، وذلك للاستفادة من تدني العملة المحلية مقابل الدولار، ما يمكن أصحاب هذه الأموال الساخنة من شراء عدد كبير من الأسهم، وكذلك الاستثمار في شهادات الادخار التي تطرحها البنوك بهدف جذب المستثمرين الخارجيين الذي يسعون للاستفادة من الفوائد المرتفعة".

وتابع أن "بشكل عام، فإن الأموال الساخنة يمتلكها مستثمرون دوليون على الأغلب في الدول المتقدمة ذات الاقتصاديات المستقرة، ويحركونها عبر مؤسسات استثمار إلى الدول النامية والأسواق الناشئة من أجل تحقيق الربح السريع والمرتفع، من خلال الاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل في حال كانت الفائدة عليها مجزية بالنسبة لهم".

وأوضح أنه "بعد ذلك يحولون هذه الفوائد إلى الخارج مرة أخرى مع الاحتفاظ بأصل رأس المال المستثمر، ولذلك هي إحدى أشهر وسائل المضاربة الرامية لتحقيق الربح بأقصر طريق".