بعد أن كان سلعة استهلاكية لا يخلو منها بيت في مصر، أصبح وجوده اليوم من النوادر، حيث قد يتوفر في مناطق ويخلو من أخرى، وبينما كان سعره بمتناول اليد في كل مكان، أصبح ثمنه الآن مرتفعًا بصورة كبيرة.

هذا هو حال السكر في مصر؛ حيث يؤكد غالبية المواطنين أن هناك أزمة حقيقية في توفر السكر في مناطق سكنهم، وربما يجدونه عند بعض التجار بـ60 جنيهًا للكيلو، وفي أوقات أخرى يكون بـ40 جنيهًا للكيلو، وفي بعض الأحيان لا يجدونه مطلقًا لا في محلات السوبر ماركت أو البقالة.

 

ما حقيقة "الأزمة"؟

يزعم رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، محمود العسقلاني، أن الدولة تدخلت لحل "الأزمة السابقة"، ويدّعي أنه لا توجد في مصر "أزمة سكر والمنتج متوفر في كل مكان"، لكن سعر الكيلو الواحد "مرتفع قليلًا" ويتراوح بين 30 إلى 40 جنيهًا.

وعلى الجانب الآخر، يكشف الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبد المطلب، أسباب ذلك "التناقض"، مؤكدًا أن كل جانب "محق في روايته" بشأن "توفر أو غياب السكر أو قيام الدولة باستيراده".

ويوضح عبدالمطلب أن استهلاك مصر من السكر يتراوح بين 3 إلى 3.2 مليون طن سنويا، تنتج البلاد منهم 2.9 إلى 3 مليون طن، وبالتالي تتراوح الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك ما بين 200 إلى 600 ألف طن.

ويوجد منتج السكر بـ"وفرة" في بعض المناطق، وهو "محدود" في أخرى و"مختفي ونادر" في ثالثة، بينما أسعاره "متفاوتة" وتتراوح بين 33 إلى 39 جنيهًا للكيلو الواحد.

ولكن بشكل عام فالسكر "لم يعد متوفرًا في كل مكان، وهو غير موجود بالعديد من منافذ التوزيع الحكومية أو الخاصة"، وفق عبدالمطلب.

 

ما الأسباب؟

مع عدد سكان يبلغ 106 ملايين نسمة، فإن التقديرات تشير إلى أن نحو 60 في المئة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه.

ويوجد في مصر 9 ملايين "مقيم ولاجئ" من نحو 133 دولة يمثلون 8.7 بالمئة من حجم السكان البالغ عددهم نحو 106 ملايين نسمة، وفق "مجلس الوزراء".

ويُشكل السودانيون العدد الأكبر من "المقيمين واللاجئين" في مصر بنحو 4 ملايين، يليهم السوريون بحوالي 1.5 مليون، واليمنيون بنحو مليون والليبيون مليون نسمة، حيث تمثل الجنسيات الأربع 80 بالمئة من المهاجرين المقيمين حاليًا في البلاد، وفق تقديرات "المنظمة الدولية للهجرة".

ويتحدث عبدالمطلب عن "روايتين" بشأن أسباب توفر السكر في بعض المناطق واختفائه بمناطق أخرى.

والرواية الأولى تتعلق بوجود "اللاجئين" وخاصة من الجنسية السودانية، ما تسبب في ارتفاع عدد المقيمين البلاد، وبالتالي "زيادة الطلب على السلع".

وبشأن الرواية الثانية، يشير عبدالمطلب إلى "توجه حكومي للحفاظ على قيمة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي وبالتالي لم تسمح الحكومة بتمويل فجوة واردات السكر التي تحتاج إليها مصر".

وقبل شهر رمضان "بدأت الدولة في (تحجيم) عرض السكر، خوفًا من استيلاء التجار وصناع الحلويات على الكميات المتوفرة من المنتج، وبالتالي اختفائه وعدم توفره".

لكن ما حدث هو "العكس"، وجاء التوجه الحكومي بـ"نتائج عكسية"، فهذه القيود على "تداول السكر"، تسبب في "اختفائه"، حسبما يوضح عبدالمطلب.

 

"أزمة مركبة" و"احتكار حكومي"؟

يرى الباحث بالاقتصاد السياسي، عمرو الهلالي، أن الأزمة "مركبة" حيث "تختفي كل فترة سلعة أو ترتفع أسعارها"، بسبب "تطبيق خاطئ لاقتصاد السوق".

والسبب الأول للمشكلة هو "إنتاجي"، فرغم أن مصر بالفعل لديها "اكتفاء ذاتي" من "إنتاج السكر" بنسبة 90 بالمئة، توجد "أزمة في توفر المنتج".

ويوضح الباحث بالاقتصاد السياسي أنه وبسبب "عدم تطبيق مبادئ الاقتصاد الحر على إنتاج السلع فالمزارعون والمصانع لا يستطيعون بيع السكر لمشترٍ داخلي أو خارجي، وهو ما حدث في الموسم السابق".

ووقتها امتنع بعض المزارعين عن "بيع قصب السكر" للمصانع مفضلين "تحقيق مكاسب إضافية"، ببيعه لمصنّعي "العسل"، ومن هنا ظهرت مشكلة "غياب واختفاء وندره المنتج"، وفق الهلالي.

وهو ما يوضحه عبدالمطلب، الذي يتحدث عن "معضلة" تتعلق بـ"احتكار الدولة حصرًا" لإنتاج وتوزيع منتج السكر، وهي "لا تسمح" باستيراده أيضًا.

 

تحذير من الإجراءات الأمنية

وحذر بعض الاقتصاديين من اللجوء إلى الإجراءات الأمنية لمواجهة نقص السلع الغذائية، ومنها السكر، وطالب آخرون الحكومة بفرض تسعيرة إجبارية على التجار لإجبارهم على تخفيض سعره.

وكتب الخبير الاقتصادي مدحت نافع على حسابه على موقع إكس قائلاً “تسعيرة جبرية ممتدة ومعها محاكمة عسكرية (كما نصح البعض) تعني أمرين: أولًا اختفاء السلع من السوق الرسمية وبيع ما تبقى منها سرًّا في سوق موازية. ثانيًا، تحقيق خسائر للمنتجين والتجار وعزوفهم عن العمل والإنتاج، ومن ثم اختفاء المعروض السلعي بسرعة رهيبة وتضخم جامح، ثم مجاعة واضطرابات"، وفقًا لـ"الجزيرة".

 

ما الحلول؟

يصف عبدالمطلب "ندرة واختفاء أو ارتفاع أسعار السكر" بـ"مشكلة اللامشكلة"، فالمنتج "متوفر وموجود داخل مخازن وزارة التموين وشركاتها بما يفوق احتياجات المواطنين".

ولكنها "أزمة ثقة"، فلدى الحكومة تخوفات من وجود "مافيا فاسدة" ما بين القائمين على إنتاج المنتج وتوزيعه داخل الحكومة، وبين القطاع الخاص من "تجار السكر وصناع الحلويات".

والدولة "لا تجد حلولًا لتوفير السكر بشكل تكون فيه واثقة من عدم استيلاء التجار والمحتكرين عليه وعدم وصوله للمستهلك".

ومن جانبه، يؤكد الهلالي أن الحل يتعلق بـ"فتح الباب أم المزارعين لبيع المنتج لمن يريدون والسماح للمستوردين بالاستيراد دون تدخل حكومي".

ويرى أنه لا يجب أن تطبق الدولة مبادئ "الاقتصاد الشمولي" لأنها تضر بالمواطن، وتسببت في غياب الكثير من المنتجات والسلع وندرتها، والحل هو تطبيق "الاقتصاد الحر" بشكل حقيقي.

وسمحت مصر في السادس من مارس، عملتها بالانخفاض في إطار حزمة دعم بقيمة ثمانية مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

وقبل السماح بانخفاضه الشهر الماضي، أبقى البنك المركزي على الجنيه ثابتًا عند 30.85 مقابل الدولار منذ مارس 2023، ويجري تداوله الآن عند نحو 48.5 للدولار.

وانخفض معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 33.3 بالمئة في مارس من مستوى قياسي بلغ 38 بالمئة، في سبتمبر.