على الرغم من القبضة الأمنية التي لجأت إليها حكومة الانقلاب لكبح جماح ارتفاع الأسعار، إلا أن أسعار السلع الرئيسة لا زالت ترتفع يومًا بعد يوم، مؤكدة أن الغلاء أقوى من سطوة الأمن.

ولم تفلح كذلك المحاولات التي قامت بها حكومة الانقلاب بالإفراج عن كميات هائلة من السلع من الجمارك، مبشرة أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الأسعار، لكن للأسف، ظلت تلك الوعود حبرًا على ورق، ولم تتحقق على أرض الواقع سوى تغييرات طفيفة لا تُذكر.

 

غلاء فاحش للسلع الاستهلاكية الأساسية

وارتفعت أسعار الدواجن مع نهاية الأسبوع الماضي، بنسبة 10% دفعة واحدة، ليصل سعر الكيلوجرام إلى 90 جنيهًا للدجاج الأبيض الطازج، و130 جنيهًا للبلدي، و150 جنيهًا للبط والأرانب والرومي، فيما تمسك الجزارون ببيع اللحوم البلدية بسعر 400 جنيه للكيلو للجاموسي والبقري، وتصل في بعض الأماكن الراقية إلى 450 جنيهًا للكيلوجرام، و350 جنيهًا للجملي، و500 جنيه للأغنام، بالتوازي مع استمرار أسعار بيع اللحوم المستوردة، بمتوسط يبدأ من 280 إلى 300 جنيه للكيلوجرام.

وزاد سعر السكر وسط تعدد أسعاره، ليبدأ بـ 40 جنيهًا في المراكز التجارية الكبرى والبيع بالجملة والمناطق القريبة من مراكز الأجهزة الأمنية والرقابية، فيما يرتفع إلى 45 جنيهًا في المناطق الشعبية، و50 جنيهًا لدى باقي الأحياء والقرى في أنحاء البلاد. وفقًا لـ"العربي الجديد".

وجاءت التحديات الكبرى في سوق السلع الأساسية في سوق الخبز الحر، حيث عمدت الحكومة لخفض أسعاره عبر خطة أمنية موسعة، تشكلت من كبار الضباط، وجهات رقابية رفيعة، تضم قيادات وزارة التموين والداخلية والإدارة المحلية وقطاع الأعمال والزراعة والرقابة الإدارية. ورفض أصحاب المخابز خفض أسعار الخبز الحر، غير المدعوم من الدولة، على مدار الأسبوع الماضي، حيث تجاهلوا القائمة التي وزعتها الحكومة، لبيع الخبر الحر بأسعار مخفضة بنسبة 25%.

وتزداد الفوضى في أسعار الأرز، حيث يبدأ سعر كيلو الأرز السائب من 25 جنيهًا ويصل إلى 35 جنيهًا، بينما يتراوح سعر الأرز المعبأ من 35 جنيهًا إلى 42 جنيهًا.

ولا يختلف الأمر في الخضراوات، حيث تختلف أسعار الطماطم والبصل بشكل كبير من منطقة لأخرى ومن تاجر لآخر، وفقًا لـ"الموقع".

ورصدت البوابة الحكومية سعر لتر زيت عباد الشمس الذي يتراوح ما بين 60 جنيهًا إلى 120 جنيهًا، بينما بلغ سعر زيت عباد الشمس سلايت ما بين 65 جنيهًا و130 جنيهًا.

وتراوح سعر لتر زيت الذرة من 65 جنيهًا إلى 150 جنيهًا، وسجل سعر زيت الذرة كريستال ما بين 74.5 جنيهًا و170 جنيهًا.

 

الحكومة سبب الزيادة في سعر الخبز

وقال مصطفى حماد، صاحب مجموعة أفران خاصة، إن "الحكومة وضعت أسعارها وفقًا لتراجع أسعار الدقيق استخراج 72% المستخدم في صناعة الخبز البلدي، المخصص للبطاقات المدعومة من الدولة، حيث تراجع من مستوى 22 ألف جنيه إلى 15 ألف جنيه للطن في مطاحن الدقيق"، مشيرًا إلى أن إنتاج الخبز الحر يحدد وفقًا لسعر الدقيق "الفينو" الذي انخفض بنسبة 10% فقط، ليستقر عند 31 ألف جنيه للطن في المطاحن، ويصل إلى المخابز ما بين 32 ألف إلى 33 ألف جنيه للطن".

وأضاف أن "الحكومة تجاهلت أنها سبب أزمة الزيادة في سعر الخبز الشهر الماضي، برفعها سعر الغاز والسولار والكهرباء، بما أدى إلى زيادة تكلفة النقل والتشغيل"، مبينًا أن موردي الدقيق الفاخر يعتمدون على توفير الدولار اللازم لشراء الدقيق المخصص للمخابز وصناعة الحلوى بالمخابز الخاصة، وتحمل أعباء زيادة الشحن الدولي، وارتفاع رسوم الجمارك بما يحول دون خفض الأسعار.

وحددت وزارة التموين سعر الرغيف الحر الذي يباع لنحو 50 مليون نسمة غير المسجلين في بطاقات الدعم العيني، وزن 80 جرامًا بـ 1.5 جنيه، بدلًا من جنيهين، وفي المناطق الراقية 2.25 جنيه، ووزن 40 جرامًا بـ 75 قرشًا بدلًا من 1.25 جنيه و50 قرشًا لوزن 25 جرامًا.

 

الانعكاس على الأسعار

ومن جانبه، يشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن "أسعار السلع الاستهلاكية والمنتجات الغذائية لم تنخفض بل تواصل الارتفاع".

ويؤكد عبد المطلب "ارتفاع أسعار السلع بشكل يومي"، ويضرب مثالًا بالسكر، ويشير إلى أن "الدولة تحتكر إنتاجه وتوزيعه لكنها لا تسعره جبريًا"، وفقًا لموقع "الحرة".

وفيما يتعلق بالأزر فهي "سلعة قابلة للتخزين"، ولا تضع له الحكومة "تسعيرة استرشادية"، وبالتالي ترتفع أسعاره يوميًا بشكل كبير.

ومن جانبه، يوضح الباحث بالاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، أن مصر تستورد غالبية احتياجاتها من السلع والمنتجات الغذائية، وبالتالي فانعكاسات تراجع سعر الدولار بالسوق السوداء وتعافي الجنيه "قد تستغرق 3 أشهر".

وتستغرق "الدورة الاستيرادية 3 أشهر"، وبعد ذلك يمكن للمستوردين "الاستيراد بأسعار جديدة للدولار"، ووقتها سوف ينعكس ذلك على السوق المحلي.

 

مجموعات "احتكارية" ورقابة "غائبة"

من جهته، يؤكد الباحث الاقتصادي، أحمد أبوعلي، أن "الإجراءات الحكومية لم تنعكس بعد على أسعار السلع الغذائية، التي تضخمت بما يتجاوز 70 بالمئة، بسبب "احتكار التجار للسلع ورفعهم أسعارها بشكل مطرد، في ظل ضعف الرقابة على الأسواق".

ويجب أن يكون هناك "آليات رقابة حقيقة من وزارة التموين وجهاز حماية المستهلك ووزارة الداخلية، لضبط الأسواق، حتى يشعر المواطن باستقرار الأسعار".

ويتفق معه الديب، الذي يشير لوجود أكثر من 40 جهازًا رقابيًا على الأسواق، لكنها "غير مفعلة"، ما يتسبب في "ضعف للرقابة على الأسواق في ظل احتكار بعض التجار للسلع ورفضهم خفض الأسعار".

ويجب تفعيل تلك الأجهزة للضغط على "كبار المنتجين والمستوردين"، لتحديد "هامش ربح معقول"، لضبط أسعار المنتجات المختلفة بالأسواق، وفق الباحث بالاقتصاد السياسي.

ومن جانبه، يوضح عبدالمطلب أنه "لا توجد أي جهة لها ولاية على الأسعار في مصر، سواء كانت جهات رقابية أو وزارة التموين"، باستثناء السلع الخاضعة للمنظومة التموينية أو تلك التي تباع بالمنافذ الحكومية.

ولذلك فأسعار جميع المنتجات قابلة "للنقص والزيادة" دون أي تدريج، في حال وضع التاجر "السعر بمكان يظهر على السلعة أو رفوف المتاجر"، حسب الخبير الاقتصادي.

ويتحدث عن مشكلة تتعلق بوجود "هاجس" لدى عدد كبير من التجار بأن "الدولة سوف تخفض قيمة الجنيه عاجلًا أم آجلًا"، وبالتالي أصبح "المعروض من السلع" أقل من "المطلوب"، وبالتالي تستمر الأسعار في الارتفاع.

ويشير عبدالمطلب إلى "توقعات بتسعير الدولة لقيمة الدولار على أساس من 70 إلى 75 جنيهًا، وقد يصل إلى 100 جنيه"، ما يجعل بعض التجار "يقللون المعروض ويحتفظون بالمنتجات لبيعها لاحقًا".

ويوضح الخبير الاقتصادي أن "التخوفات لدى المستهلكين" من ارتفاع جديد لأسعار بعض السلع أو اختفائها، تدفع البعض لـ"التحوط" وشراء المنتجات بكميات أكبر، ما ينعكس أيضًا على زيادة سعر المنتج.

ويبقي التضخم أسعار السلع الأساسية عند مستوياتها المرتفعة، رغم هبوطها من مستوى 40% على أساس سنوي منتصف عام 2023، إلى نحو 33% في مارس من العام الجاري، حيث تبرز توقعات باستمرار ارتفاعها خلال الفترة المقبلة، متأثرة بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار رسميًا، مع عدم خفض أسعار السلع المستوردة، واتجاه بعضها إلى الارتفاع في الأسواق الدولية، كالقمح والدقيق واللحوم، متأثرة باستمرار حالة الاضطراب في سلاسل الإمداد والحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.