في تطور لافت للصراع السوداني، وجّه قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، انتقادات حادة لمصر في خطاب متلفز يوم 9 أكتوبر 2024، حيث حمّلها مسؤولية الإخفاقات الأخيرة لقواته، لا سيما في معركة منطقة جبل موية الإستراتيجية بولاية سنار.
واتهم حميدتي، مصر، بالتدخل المباشر في النزاع السوداني لدعم الجيش السوداني، وأعلن القبض على "مرتزقة" مصريين، بحسب وصفه، إضافةً إلى فرض عقوبات على التجار في المناطق الخاضعة لسيطرة قواته، إذا تعاملوا مع مصر تجاريًا.
تصريحات حميدتي المفاجئة والمليئة بالتهديدات تبعها بيان رسمي صدر عن قواته بعد يومين، وجّه فيه اتهامات إضافية لمصر بالتدخل في الشؤون السودانية والتحريض على قواته.
أثار هذا البيان تساؤلات حول أسبابه وتوقيته، فضلاً عن تداعياته على الوضع السوداني المتأزم بالفعل، ومدى تأثيره على العلاقات بين مصر وقوات الدعم السريع، وسط محاولات دولية للوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة.
خلفية الاتهامات: بين التصعيد العسكري والخسائر الميدانية
أشار حميدتي في خطابه إلى أن قوات الدعم السريع تواجه تراجعًا عسكريًا في عدة مناطق، وهو ما دفعه إلى البحث عن "أعداء خارجيين" لتحميلهم مسؤولية هذه الانتكاسات.
وتؤكد دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات، للخبير في الشؤون الأفريقية بدر حسن شافعي، أن هذا التصعيد جاء ردًّا على تزايد الحاضنة الشعبية للجيش السوداني، خاصة بعد خسائر قوات الدعم السريع المتتالية في جبهات استراتيجية مثل جبل موية بولاية سنار.
ويسعى حميدتي من خلال هذه التصريحات إلى تحقيق عدة أهداف، منها كسب تعاطف قاعدته الشعبية بالادعاء بوجود "تدخلات خارجية"، وتبرير تراجعاته العسكرية أمام أنصاره.
وتعتبر هذه التصريحات محاولة من حميدتي للتغطية على الانقسامات داخل صفوف قواته نتيجة الفظائع المتزايدة بحق المدنيين، التي أثارت استياءً واسعًا على مستوى السودان.
أبعاد إقليمية ودولية: صراع الأدوار والنفوذ في القرن الأفريقي
لم تقتصر اتهامات حميدتي على مصر وحدها، بل ارتبطت بتوترات إقليمية أوسع، إذ يمكن فهم هذا التصعيد في سياق دعم إثيوبي محتمل له، وسط التحركات المصرية المكثفة في القرن الأفريقي ومحاولة تشكيل تحالف مناهض للنفوذ الإثيوبي.
وظهر هذا التقارب بين حميدتي وأديس أبابا منذ وساطة إثيوبيا بين القوى السودانية عقب الثورة على نظام البشير، وما تلاها من دعم إثيوبي لقوات الدعم السريع.
وترى الدراسة أن مصر تعتبر استقرار السودان، خاصة تحت قيادة الجيش، عنصرًا حاسمًا للحفاظ على مصالحها الوطنية والإقليمية، خاصة في ما يتعلق بأزمة سد النهضة، في حين تحاول إثيوبيا دعم أي أطراف مناوئة لمصر في السودان لتحقيق توازن قوى لصالحها.
تراجع الدعم الدولي وروسيا تُبدّل موقفها
على الصعيد الدولي، أشار حميدتي في خطابه إلى خيبة أمله من بعض الدول التي كانت تدعمه، منتقدًا ما وصفه بعدم وفاء المجتمع الدولي بالالتزامات تجاه قواته ومشروعه الذي يستهدف، بحسب خطابه، "القضاء على الإسلاميين وتثبيت الحكم المدني".
وقد وردت تقارير تشير إلى أن تغير موقف روسيا تجاه الصراع السوداني، وتحولها لدعم الجيش السوداني بعد تزايد الضغوط الدولية على مجموعة "فاغنر" بسبب تورطها في دعم قوات الدعم السريع، قد أسهم في إضعاف موقف حميدتي دوليًا.
الموقف المصري من حميدتي وتداعيات التصعيد
رغم رفض مصر التام لهذه الاتهامات واعتبارها مجرد اتهامات غير صحيحة، فإن هذا التصعيد يطرح تساؤلات حول علاقة مصر بحميدتي وموقفها من الأزمة السودانية المستعصية.
لقد حاولت مصر، بعد سقوط نظام عمر البشير، تبني سياسة حيادية نوعًا ما تجاه المجلس العسكري السوداني، الذي كان يترأسه عبد الفتاح البرهان بمشاركة حميدتي، إلا أن موقف مصر تغير لاحقًا ليصبح أكثر دعمًا للجيش، خاصة بعد اندلاع النزاع المسلح بين الطرفين.