في سياق حديث رئيس وزرا ء الانقلاب  المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي في الأيام الأخيرة، أعرب عن قلقه من تأثير التوترات الإقليمية على الاقتصاد المصري، محذرًا من احتمال دخول البلاد في مرحلة ما يُعرف بـ"اقتصاد الحرب" في حال تفاقمت الأوضاع. هذا التصريح أثار العديد من التساؤلات حول استعدادات الحكومة المصرية لمواجهة أزمات اقتصادية محتملة، وتأثير ذلك على حياة المواطن المصري اليومية.

"اقتصاد الحرب" هو مصطلح يُطلق على الحالة الاقتصادية التي تتبناها الدول خلال فترات الحروب أو الطوارئ الكبرى، حيث يتم تعديل الأولويات الاقتصادية للتركيز على الإنفاق العسكري والتقشف، إلى جانب تطبيق سياسات للحد من الاستهلاك العام وضبط الموارد. ورغم أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في النزاعات الإقليمية، إلا أن الوضع في الشرق الأوسط يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المصري الهش، مما دفع مدبولي للإعلان عن هذه الاحتمالية.

الأعباء الاقتصادية المتزايدة
مدبولي أشار إلى أن الارتفاع الأخير في أسعار النفط، نتيجة التوترات الإقليمية، سيزيد من الأعباء على الميزانية العامة للدولة. فزيادة سعر برميل النفط بمقدار 10 دولارات يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد المصري، الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد النفط. كما أكد أن الحكومة المصرية تعمل حاليًا على وضع خطط لضمان توفر السلع والخدمات الأساسية في حالة حدوث أي تطورات سياسية أو اقتصادية سلبية.

انعكاسات الأوضاع الإقليمية على مصر
التأثيرات الإقليمية تتجاوز الارتفاع في أسعار النفط فقط. ففي ظل التوترات المستمرة، وخاصة الحرب القائمة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، تواجه مصر تحديات في الحفاظ على مواردها الحيوية مثل إيرادات قناة السويس، التي شهدت تراجعًا بنسبة 25% خلال العام المالي الماضي. الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد بنفسه أن البلاد فقدت نحو 6 مليارات دولار من إيرادات القناة خلال الثمانية أشهر الماضية، مما يعكس مدى تأثر الاقتصاد المصري بالأوضاع السياسية في المنطقة.

رغم التحذيرات التي أطلقها مدبولي حول احتمالية دخول البلاد في "اقتصاد الحرب"، تحاول الحكومة التقليل من حجم الأزمة الحقيقية التي تواجهها مصر. يُشير المتحدث باسم الحكومة، محمد الحمصاني، إلى أن تصريحات مدبولي تتعلق بإجراءات استثنائية، متجاهلًا الواقع المتأزم الذي تعيشه مصر في ظل استمرار التوترات الإقليمية وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة. فالتطمينات الرسمية حول وجود مخزون استراتيجي من السلع يكفي لشهور قد لا تخفف من القلق الشعبي المتزايد إزاء مستقبل الاقتصاد المصري.

في الواقع، يأتي الحديث عن "اقتصاد الحرب" في سياق أوسع يعكس فشل النظام في إدارة الملفات الاقتصادية الأساسية، حيث تواصل الحكومة فرض إجراءات تقشفية تتسبب في تدهور معيشة المواطنين. ومع الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس والسياحة، والتدهور المستمر في سعر الجنيه المصري، فإن الآمال التي تبثها الحكومة تبدو غير واقعية أمام التحديات الحقيقية التي تواجه مصر.

الحكومة التي تتفاخر بقدرتها على التعامل مع الأزمات، تتجاهل حقيقة أن الاقتصاد المصري يعاني من مشكلات هيكلية، تفاقمت بسبب السياسات المتبعة منذ سنوات. كما أن الأحاديث المتكررة عن خطط الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي لم تؤدِ حتى الآن إلى تحسين الوضع المعيشي لغالبية المصريين، بل زادت من الأعباء المفروضة على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.

وفي حين تحاول الحكومة إقناع المستثمرين بأن تصريحات مدبولي لا تمثل خطرًا على بيئة الاستثمار، فإن الحقيقة هي أن تلك التصريحات تكشف مدى هشاشة الاقتصاد المصري، وتضع النظام أمام تحدٍ جديد يكشف عن غياب الرؤية الواضحة في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية.

هل يمكن لمصر تحمل "اقتصاد الحرب"؟
من الجدير بالذكر أن مفهوم "اقتصاد الحرب" ليس جديدًا على مصر؛ فقد شهدت البلاد تجربة مماثلة خلال حرب 1967-1973، عندما تبنت الحكومة سياسات تقشفية لدعم المجهود الحربي. ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن مصر ليست في حاجة ماسة إلى تطبيق اقتصاد الحرب في الوقت الحالي، على الأقل ليس بمعناه التقليدي، حيث أن البلاد ليست مهددة بشكل مباشر بحرب عسكرية.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التأثيرات الاقتصادية العميقة التي تواجهها البلاد، والتي قد تجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات استثنائية. فالتضخم المرتفع، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر كلها عوامل تُضعف من قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة أي أزمات جديدة.

تساؤلات حول فعالية الحكومة
لكن في ظل هذا السياق، يبدو أن الحكومة المصرية تتخذ من هذه التوترات ذريعة لتبرير فشلها في تحسين الأوضاع الاقتصادية. فبدلاً من معالجة جذور الأزمة الاقتصادية في البلاد، والتي تتمثل في الفساد الإداري وسوء التخطيط، تتجه الحكومة إلى التذرع بالحروب الإقليمية كسبب رئيسي لتدهور الاقتصاد.
برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه مصر، والذي تم إقراره بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، لم يثمر عن تحسين حقيقي في معيشة المواطن المصري. بل على العكس، أدى إلى تقليص الدعم على السلع الأساسية وزيادة أسعار الوقود والكهرباء. ومع زيادة الضغوط المالية الناتجة عن هذه السياسات، يصبح المواطن العادي هو الضحية الأولى لهذه الأزمات.

خاتما ؛ تصريحات مدبولي حول إمكانية دخول مصر في "اقتصاد الحرب" تأتي في وقت حرج. وبينما تحاول الحكومة تصوير نفسها على أنها تستعد للأسوأ، يرى البعض أن هذا التصريح ليس إلا محاولة لتهيئة الشعب لتحمل المزيد من الأعباء الاقتصادية في المستقبل. وبينما تستمر الأوضاع في المنطقة بالتدهور، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الحكومة المصرية قادرة على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الاقتصاد من الانهيار، أم أن الشعب المصري سيظل يدفع ثمن الفشل الحكومي في إدارة الأزمات؟