في خطوة غير متوقعة تعكس عمق الأزمة التي تعاني منها الخدمات الصحية في مصر، أعلنت هيئة الإسعاف الحكومية عن رفع أسعار خدماتها المقدمة للمواطنين بنسب تصل إلى 260% اعتباراً من اليوم الخميس. هذه الخطوة، التي تأتي تحت مزاعم "تحديث وتطوير" خدمات الهيئة، لا تعدو كونها استهتاراً غير مسبوق بمعاناة المواطنين واحتياجاتهم الأساسية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم المصريين.

بموجب الأسعار الجديدة، ارتفعت تكلفة نقل المرضى بسيارات الإسعاف للحالات غير الطارئة من 125 جنيهاً إلى 450 جنيهاً للمسافة حتى 25 كيلومتراً، و625 جنيهاً للمسافة من 26 إلى 50 كيلومتراً، و800 جنيه للمسافة من 51 إلى 75 كيلومتراً. كما زادت الأسعار بشكل تصاعدي لتصل إلى 3775 جنيهاً للمسافة من 476 إلى 500 كيلومتر.

وعلى الرغم من أن هذه الخدمات ينبغي أن تكون مجانية أو بأسعار رمزية، فإن الحكومة تضع المواطنين في موقف صعب يتطلب منهم التفكير ملياً قبل طلب الإسعاف، مما يهدد صحتهم وسلامتهم.

إن قرار الحكومة برفع الأسعار في هذا التوقيت يُعتبر بمثابة تصعيد جديد لمشكلة الخصخصة المتزايدة للخدمات الصحية في البلاد. فبعد إقرار تشريع يسمح بتأجير المستشفيات العامة للقطاع الخاص لمدة تصل إلى 15 عاماً، يبدو أن الحكومة تتجه نحو تدمير القطاع العام في الصحة، مما يهدد الفقراء ومحدودي الدخل الذين يعتمدون بشكل أساسي على هذه الخدمات. فما زال متوسط الأجر في مصر من بين الأدنى على مستوى العالم، مما يجعل معظم المصريين غير قادرين على تحمل هذه الأعباء المالية الجديدة.

وعلى صعيد آخر، يعاني المصريون من انفلات أسعار خدمات الرعاية الصحية، ولا سيما بعد تفشي وباء كورونا. لقد أصبحت المستشفيات الخاصة هي الخيار الوحيد المتاح للكثيرين، ولكن أسعارها المرتفعة تجعل الحصول على العلاج أمراً شبه مستحيل. في الوقت نفسه، يسعى النظام المصري إلى تعزيز دور القطاع الخاص في إدارة المستشفيات الحكومية، مما يزيد من القلق حول مدى توفر الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين.

لا يُخفى على أحد أن النواب في البرلمان قد حذروا مراراً وتكراراً من مخاطر احتكار القطاع الخاص للخدمات الطبية، لكن يبدو أن هذه التحذيرات لم تؤخذ على محمل الجد. فقد أصبح القطاع الصحي في مصر جاذباً بشكل كبير للمستثمرين نتيجة للأرباح الكبيرة التي تحققها المستشفيات، في وقت يتزايد فيه الإهمال في تقديم الخدمات الصحية الأساسية للمواطنين.

علاوة على ذلك، فإن الزيادة الجديدة في أسعار خدمات الإسعاف تترافق مع تدهور واضح في جودة الخدمات الصحية المقدمة. فمعظم المصريين لا يحصلون على الرعاية الصحية المناسبة حتى في ظل الظروف العادية، فكيف سيكون الحال الآن مع هذه الزيادات التي تزيد من معاناتهم؟

ومما يزيد الطين بلة هو أن أسعار الأدوية أيضاً في ارتفاع مستمر، مما يؤثر سلباً على قدرة المواطنين على العلاج. فالمواطن العادي الذي كان يعتمد على الإسعاف بشكل مجاني أو بأسعار رمزية، بات الآن مضطراً لتأمين المبالغ اللازمة لنقل المرضى، مما يزيد من الأعباء الملقاة على عاتقه.

إن قرار الهيئة برفع أسعار الإسعاف يمثل تحدياً كبيراً للطبقات الفقيرة والمتوسطة في مصر. فالكثيرون ممن كانوا يتلقون الرعاية الصحية بدون أي تكاليف إضافية قد يجدون أنفسهم الآن في مواقف حرجة، مما سيؤدي حتماً إلى تفاقم حالات الوفاة الناتجة عن الإهمال الطبي. فالزيادة المفاجئة في الأسعار ستجعل الناس يفكرون أكثر من مرة قبل طلب الإسعاف، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً للصحة العامة.

الواقع أن هذه الخطوة تعكس جشعاً غير مسبوق من قبل النظام القائم، الذي يبدو أنه غير مكترث بمشاكل المواطنين. فبدلاً من تحسين الخدمات الصحية وتقديم الدعم للمواطنين، تُظهر الحكومة مرة أخرى عدم قدرتها على تلبية احتياجات الشعب.

على صعيد آخر، تتجلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد في جميع مجالات الحياة، بدءاً من الأسعار المرتفعة للسلع الغذائية ووصولاً إلى خدمات الرعاية الصحية. إن المواطن المصري يعيش في حالة من الإحباط نتيجة الارتفاع المستمر للأسعار، مما يعكس فشل الحكومة في إدارة الاقتصاد والاهتمام بمصالح الشعب.

في النهاية، يجب على المصريين أن يكونوا واعين لهذه الأوضاع، وأن يطالبوا بحقوقهم في خدمات صحية مجانية أو بأسعار معقولة. إن التضحية بالصحة العامة من أجل الربح الخاص لا يمكن أن تكون مقبولة. حان الوقت للتحرك والتغيير، من أجل بناء نظام صحي يراعي احتياجات المواطنين ويعزز من حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة. إن الشعب المصري يستحق أفضل من ذلك، ويجب أن يُسمع صوته في وجه هذه السياسات الظالمة.