تشهد منطقة وادي النيل حالة من القلق المتزايد على خلفية المخاوف من انهيار سدي جبل الأولياء ومروي في السودان، وهو ما قد يؤدي إلى تدفق كميات هائلة من المياه نحو السد العالي في مصر.

وبينما تحاول السلطات المصرية تقديم تطمينات حول جاهزية السد العالي لاستيعاب أي تدفقات مائية طارئة، فإن سياسات النظام المصري في إدارة ملف المياه تثير العديد من التساؤلات حول الشفافية والمصداقية.

إدارة المياه: احتياطات مقلقة
يشير الخبير المصري، الدكتور رشاد حامد، مستشار اليونيسيف لتحليل البيانات، إلى أن السد العالي مؤمن تمامًا ضد أي طارئ، وأنه يمكن لبوابات الطوارئ الموجودة أسفل السد تصريف نحو 2 مليار متر مكعب يوميًا إلى منخفض في الصحراء الشرقية. كما يؤكد أن المفيض العلوي يعمل تلقائيًا عند تجاوز منسوب المياه 183 مترًا، مما يُبقي السد في حالة أمان دائمًا.

ومع ذلك، هذه التصريحات الرسمية تطرح العديد من التساؤلات. لماذا يتم الاعتماد على سيناريوهات التدفق الطارئة بدلاً من التخطيط المسبق بشكل يمنع وقوع الكوارث؟ وهل يُدار الملف المائي بناءً على معطيات علمية دقيقة أم أن هذه التصريحات تأتي في إطار محاولات تهدئة الرأي العام؟ هذه الأسئلة تبقى بلا إجابات واضحة في ظل غياب الشفافية حول القرارات الحاسمة المتعلقة بالملف المائي.

سيناريوهات انهيار السدود: حقائق أم تضليل؟
بينما تطمئن الحكومة الشعب المصري بأن السد العالي قادر على استيعاب أي تدفقات مائية من السودان، تشير الوقائع إلى أن السيناريوهات المحتملة لانهيار سدي جبل الأولياء ومروي ستضع ضغطًا هائلًا على البنية التحتية المائية. فإذا كانت بحيرة ناصر قادرة على استيعاب نحو 7 مليارات متر مكعب من المياه خلال خمسة أيام، فلماذا لا تتخذ الحكومة إجراءات وقائية أكثر شمولية لمنع حدوث كارثة من الأساس؟

من ناحية أخرى، يُشار إلى أن وزارة الري المصرية تعتمد على رصد المياه القادمة من الهضبة الإثيوبية والهضبة الاستوائية، ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الاعتماد على بيانات الطقس قد لا يكون كافيًا دائمًا للتنبؤ بأي تغيرات مفاجئة في التدفقات المائية.

أزمات متلاحقة وسوء إدارة
لقد كانت إدارة السدود المائية في السودان تحت إشراف مصر حتى وقت قريب، عندما قدمت مصر خزان جبل الأولياء كهدية إلى السودان بعد بناء السد العالي. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تعد جزءًا من التعاون المائي بين البلدين، إلا أن هناك العديد من الانتقادات التي تشير إلى أن السياسات المصرية في إدارة المنشآت المائية لا تعتمد على التخطيط الاستراتيجي المستدام. فإذا كانت مصر تشارك في إدارة المياه بالسودان، فلماذا لم يتم اتخاذ إجراءات استباقية لمنع المخاطر التي تهدد السدود السودانية؟

تعتمد مصر أيضًا على رصد السحب فوق المحيط الهندي لتقدير حجم الأمطار التي قد تؤثر على منابع النيل. لكن في ظل تغيرات المناخ المتسارعة والأخطار البيئية المتزايدة، هل يمكن فعلاً الاعتماد على هذه الطرق التقليدية دون اتخاذ إجراءات أكثر شمولية؟

السد العالي: هل يظل مصدر الأمان الوحيد؟
تظل الرواية الرسمية تُؤكد أن السد العالي هو الركيزة الأساسية لضمان الأمن المائي لمصر. ولكن، في ضوء غياب الشفافية وعدم وضوح الخطط الحكومية لمواجهة التغيرات المناخية والمائية، يبقى السؤال الأساسي: هل يكفي الاعتماد على هذا المشروع الهندسي القديم لضمان الأمن المائي لأجيال مصر القادمة؟

ورغم التطمينات الرسمية بأن السد العالي مؤمن بالكامل، تظل هناك تخوفات حقيقية من أن تساهم السياسات الفاشلة في خلق أزمة مائية غير مسبوقة، لا سيما في ظل تصاعد النزاع حول سد النهضة الإثيوبي. إذ يبدو أن الحكومة المصرية عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم بشأن هذه الأزمة، التي قد تؤدي إلى تفاقم المشكلات المائية في مصر.

سد النهضة: قنبلة موقوتة
تعد أزمة سد النهضة قضية وجودية بالنسبة لمصر، إلا أن السياسات الحالية لا تعكس الجدية المطلوبة في التعامل معها. فبينما تصر إثيوبيا على المضي قدمًا في ملء وتشغيل السد دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب، تكتفي الحكومة المصرية بتصريحات روتينية عن مراقبة الوضع في المحافل الدولية. لكن في ظل غياب أي تقدم ملموس في المفاوضات، تبدو مصر على وشك خسارة أحد أهم ملفاتها الاستراتيجية.

الإصرار على ملء السد الإثيوبي دون اتفاق قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على وادي النيل، وهو ما قد يُفاقم الأوضاع المائية ليس فقط في مصر ولكن أيضًا في السودان. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة المصرية غير قادرة على استغلال الفرص المتاحة للتوصل إلى حل مستدام، ما يهدد الأمن المائي لشعبي وادي النيل.

خاتمة: الحاجة إلى تغيير جذري في السياسات
بينما تستمر المخاوف من انهيار السدود في السودان، وتبقى الحكومة مطمئنة إلى قدرتها على إدارة الملف المائي، يظل الشك قائماً حول مدى فعالية هذه السياسات في ضمان أمن مصر المائي على المدى الطويل. وفي ظل تفاقم أزمة سد النهضة والفشل في التوصل إلى حلول دبلوماسية أو فنية، يبدو أن النظام المصري بحاجة إلى تغيير جذري في سياساته المتعلقة بإدارة ملف المياه، قبل أن تتحول المخاوف الحالية إلى كوارث حقيقية.