يثير مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في مصر ردود فعل واسعة النطاق، حيث يتفق كل من مؤيدي ومعارضي النظام المصري على رفضه. فبينما تروج الحكومة لهذا المشروع باعتباره جزءًا من الإصلاحات القانونية، ترى المنظمات الحقوقية، مثل "منظمة العفو الدولية"، و"هيومن رايتس ووتش"، و"لجنة الحقوقيين الدولية"، أن القانون الجديد يمثل كارثة حقوقية بكل المقاييس، كما عبّرت نقابات مهنية مصرية مثل نقابة المحامين والصحفيين عن رفضها له، معتبرة أنه يقوض حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة.

تاريخ القانون ومحتوى المشروع
قدمت الحكومة المصرية مشروع القانون الجديد كبديل لقانون الإجراءات الجنائية القديم الصادر في 1950. هذا القانون يعد واحدًا من أعمدة النظام القضائي المصري، لكنه شهد تعديلات متعددة في العقود الماضية، لا سيما في ظل حكومات ما بعد ثورة 2013.

زعمت السلطات المصرية أن مشروع القانون الجديد هو نتاج للحوار الوطني الذي جرى في 2023، والذي تضمن نقاشات حول حقوق المعتقلين السياسيين وقضايا الحبس الاحتياطي.

لكن المشروع الجديد يثير قلقًا واسعًا لأنه لا يعالج القضايا الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان. إذ أنه لا يزال يسمح بالحبس الاحتياطي على نطاق واسع دون إشراف قضائي كافٍ، كما يمنح النيابة العامة صلاحيات موسعة في التحقيقات وإصدار قرارات بشأن شهود الدفاع، مما يعزز فرص الانتهاكات ويضعف حقوق المتهمين.

مخاوف حقوقية من القانون الجديد
تشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن مشروع القانون الجديد يشكل خطوة إلى الوراء في مجال حماية حقوق الإنسان. فوفقًا لـ"سعيد بن عربية"، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية، فإن المشروع "يستمر في إدامة الأطر القانونية التي سهلت الانتهاكات الماضية والحالية". وأضاف: "بدلاً من تعزيز الحماية القانونية والضمانات الضرورية لحقوق الإنسان، يقوم المشروع بتعميق السيطرة الحكومية على القضاء".

من جانبه، صرح محمود شلبي، باحث في منظمة العفو الدولية، أن "مشروع القانون الجديد لا يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وسيكون له تأثير كارثي على حقوق المتهمين في مصر". وأوضح شلبي أن القانون لا يضمن للمحتجزين حق المثول السريع أمام القاضي في غضون 48 ساعة من الاعتقال، ويمنح النيابة العامة صلاحيات كبيرة في إجراء التحقيقات دون وجود محامي الدفاع.

تحذيرات من تدوير الحبس الاحتياطي
أحد أبرز انتقادات مشروع القانون هو استمراره في استخدام "التدوير"، وهي ممارسة يستخدمها النظام لتمديد الحبس الاحتياطي للمعتقلين بتهم متكررة، مما يسمح باستمرار احتجازهم لفترات طويلة دون محاكمة. وعلى الرغم من أن القانون الجديد يقترح تقليص مدة الحبس الاحتياطي، إلا أن المنظمات الحقوقية تشير إلى أن الفترات المقترحة لا تزال طويلة بشكل غير معقول، ولا تحد من صلاحيات النيابة العامة في تمديد الحبس.

إضعاف ضمانات المحاكمة العادلة
يتضمن مشروع القانون أيضًا أحكامًا تنظم وتوسع استخدام "الفيديوكونفرنس" في جلسات الادعاء والمحكمة، وهي خطوة اعتبرها خبراء حقوق الإنسان تقويضًا لضمانات المحاكمة العادلة. إذ يُعتقد أن هذه الآلية ستزيد من عزلة المتهمين وتضعف قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم بشكل فعال. إلى جانب ذلك، فإن مشروع القانون يحافظ على أحكام تمنح إفلاتًا من العقاب لموظفي الأمن الذين يرتكبون انتهاكات، مثل التعذيب والإخفاء القسري، وهي انتهاكات موثقة بشكل واسع في مصر.

رفض النقابات المهنية
ولم تقتصر الانتقادات على المنظمات الدولية، فقد عبرت نقابتا المحامين والصحفيين في مصر عن رفضهما القاطع للقانون. اعتبرت نقابة المحامين أن المشروع يقوض حق الدفاع، ويمس بمبدأ علانية المحاكمة. فيما حذرت نقابة الصحفيين من أن التعديلات المقترحة تحتوي على "أحكام غير دستورية" وتزيد من القيود المفروضة على الحريات الصحفية.

تجاهل لمطالب الإصلاح
يرى منتقدو القانون أن الحكومة المصرية تتجاهل مطالبات المجتمع المدني بإجراء إصلاحات حقيقية في النظام القضائي. وقال غرانت شوبين، المستشار القانوني في "ديغنِتي": "مشروع القانون لا يعالج إساءة استخدام الحبس الاحتياطي من قبل السلطات المصرية، بل يكرس استخدامه كأداة عقابية. هذا يدل على مدى ابتعاد الحكومة عن أبسط معايير حقوق الإنسان الدولية".

ختاما ؛ في ظل هذه الانتقادات الحادة، تدعو المنظمات الحقوقية الدولية إلى رفض مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وتحث السلطات المصرية على إعداد مشروع قانون جديد يتماشى مع المعايير الدولية. هذا المشروع الجديد يجب أن يتم بالتشاور الصادق والشفاف مع منظمات المجتمع المدني والخبراء المستقلين والمحامين، من أجل ضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان في مصر.
بات من الواضح أن مشروع القانون الجديد سيزيد من تفاقم أزمة حقوق الإنسان في مصر، ويمنح السلطات أدوات جديدة لقمع المعارضة وتجاهل العدالة، وهو ما يضع البلاد أمام مفترق طرق حساس فيما يتعلق بمستقبلها القضائي والسياسي.