رصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، في تقريره الأخير عن شهر سبتمبر الماضي، 279 انتهاكاً حقوقياً خطيراً داخل سجون مصر ومقار الاحتجاز المختلفة. التقرير كشف عن حالات وفاة نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تتراوح بين الإخفاء القسري، التعذيب الفردي والجماعي، والتكدير المتعمد بحق المعتقلين.

وفيات تحت التعذيب والإهمال الطبي
أبرز ما جاء في التقرير هو تسجيل خمس حالات وفاة في السجون وأماكن الاحتجاز، مما يعكس فشل النظام المصري في توفير الحد الأدنى من حقوق الإنسان للمعتقلين، لا سيما فيما يتعلق بالرعاية الصحية.

من بين الحالات الموثقة، ضياء الشامي، اختصاصي التحاليل الذي توفي في قسم شرطة قصر النيل بعد تعذيبه، مما يثير تساؤلات جدية حول معايير التحقيقات وطرق الاستجواب المتبعة.

حالة وفاة أخرى تخص طارق طه عبد السلام أبو العزم، رائد سابق في القوات المسلحة، الذي فقد حياته نتيجة الإهمال الطبي في سجن الوادي الجديد. وتوفي سامي محمود علي عبد الرحيم، رئيس محكمة جنايات بورسعيد السابق، داخل سجن بدر 1 بعد تدهور حالته الصحية دون تدخل طبي.

سعيد العجرودي وعبد الله صيام هما ضحيتان أخريان فقدتا حياتهما في قسم شرطة بلبيس بمحافظة الشرقية، كلاهما نتيجة الإهمال الطبي والاعتداء الجسدي. عبد الله صيام، الذي كان يعاني من مرض في الكبد، تعرض للضرب العنيف قبل وفاته نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية. هذه الحوادث تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وتؤكد غياب الرقابة الحقيقية على أجهزة الأمن المصرية.

التعذيب والتكدير: سياسة ممنهجة لقمع المعتقلين
لا تقتصر الانتهاكات في السجون المصرية على الإهمال الطبي فقط، بل تشمل أيضاً التعذيب والتكدير المنهجي. في التقرير ذاته، تم تسجيل 3 حالات تعذيب فردي و36 حالة تكدير فردي، بالإضافة إلى 23 حالة تكدير جماعي. هذه الممارسات تعكس منهجية السلطات المصرية في استخدام العنف كأداة لإسكات المعتقلين وترهيبهم.

أشكال التعذيب التي وثقها المركز تتنوع بين الضرب المبرح، الصعق بالكهرباء في مناطق حساسة من الجسم، تعليق الأرجل واليدين بطرق مهينة، ورمي البراز في الوجه. هذه الممارسات، التي تصل إلى حد انتهاك كرامة الإنسان، تسعى إلى كسر إرادة المعتقلين وجعلهم يعانون ليس فقط جسدياً، بل نفسياً أيضاً.

بالإضافة إلى ذلك، وثق المركز حالات من التكدير الجماعي تتمثل في حرمان المعتقلين من الطعام والماء، ومنعهم من التريض، وحبسهم في زنازين مكدسة لا تتوفر فيها أدنى معايير النظافة أو الراحة. هذه الأوضاع تؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية والصحية للمعتقلين، خاصة في ظل استمرار منع الزيارات وتقليص الوقت المخصص لها.

الإخفاء القسري: سياسة مستمرة ضد الناشطين
لا يزال الإخفاء القسري أحد أبرز الانتهاكات الحقوقية التي تتعرض لها مصر. التقرير رصد 72 حالة إخفاء قسري خلال الشهر الماضي، وهي جريمة تستخدمها السلطات المصرية بشكل واسع ضد المعارضين السياسيين والناشطين. هذه الجريمة تترك الضحايا وأسرهم في حالة من العذاب النفسي المستمر، حيث يظل المختفون في طي المجهول لمدد طويلة، دون أي معلومات عن مكان احتجازهم أو وضعهم القانوني.

من جهة أخرى، تم توثيق ظهور 90 مواطناً بعد فترات متفاوتة من الإخفاء القسري، وهي دلالة واضحة على استمرار هذه الممارسات بشكل ممنهج. وفي حين تحاول السلطات المصرية إظهار أن هؤلاء الأشخاص قد عادوا إلى الظهور، يبقى السؤال الأهم: أين كانوا خلال فترة اختفائهم؟ وهل تمت معاملتهم وفقاً للقانون والحقوق المكفولة لهم؟

تراجع الرقابة وانعدام المحاسبة
يعكس التقرير الحقوقي تراجع الرقابة على السجون المصرية وأماكن الاحتجاز بشكل عام، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة النظام القضائي المصري على محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. على الرغم من تكرار حالات الوفاة تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي، لا يزال المسؤولون عن هذه الانتهاكات بمنأى عن أي محاسبة قانونية.
انعدام المحاسبة يعزز مناخ الإفلات من العقاب ويشجع على استمرار الانتهاكات بشكل يومي. في ظل هذا الوضع، يبقى المعتقلون عرضة لانتهاكات حقوقية قد تصل إلى حد القتل، دون أي ضمانات لحماية حقوقهم الأساسية.

مطالبات حقوقية بفتح تحقيقات مستقلة
في ضوء هذه التقارير المتكررة، تتزايد المطالبات الحقوقية بضرورة فتح تحقيقات دولية مستقلة في الانتهاكات التي تحدث داخل السجون المصرية. المنظمات الحقوقية المحلية والدولية دعت مراراً إلى تشكيل لجان تحقيق للوقوف على حجم الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
ورغم كل هذه الجهود، لا تزال الحكومة المصرية ترفض السماح بفتح تحقيقات مستقلة أو زيارة مراقبين دوليين للسجون، ما يزيد من الشكوك حول مصداقية التصريحات الحكومية بشأن حقوق الإنسان.

ختاماً: تدهور مستمر في أوضاع حقوق الإنسان
تقرير مركز النديم عن شهر سبتمبر يعكس استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر بشكل مقلق. وبينما تحاول السلطات المصرية إنكار أو تبرير هذه الانتهاكات، يبقى المعتقلون في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة يعانون من الإهمال الطبي، التعذيب، والتكدير بشكل يومي.
وفي غياب أي تحرك جاد من قبل النظام المصري لتحسين أوضاع المعتقلين أو وقف الانتهاكات، يبقى الملف الحقوقي المصري في دائرة الضوء، ويظل المجتمع الدولي مطالباً بممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة المصرية للالتزام بمعايير حقوق الإنسان الدولية.