أعلنت الحكومة المصرية يوم الأربعاء عن رفع سعر شراء القمح المحلي بنسبة 10% لموسم 2024-2025، في محاولة لتشجيع المزارعين على زراعة المزيد من القمح في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة.

ووفقًا للبيان الرسمي، وافقت الحكومة على تحديد سعر استرشادي لزراعة القمح عند 2200 جنيه للأردب (150 كجم) لنوعية 23.5، و2150 جنيهًا لنوعية 23، و2100 جنيه لنوعية 22. لكن في الوقت الذي تصفه الحكومة بأنه قرار داعم، يرى المزارعون والتجار أن هذه الخطوة غير كافية، خاصة في ظل التضخم وتقلبات العملة المستمرة.

تأثيرات التضخم على المزارعين
رغم زيادة الأسعار المعلنة، يشعر المزارعون بأن هذه الزيادة لا تتناسب مع الارتفاع الكبير في تكلفة الزراعة، بما في ذلك ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والمحروقات. محمد الجوهري، مزارع من محافظة الدقهلية، عبّر عن استيائه من القرار قائلاً: "لن أزرع القمح، سأخسر المال إذا زرعته." وعلل الجوهري رفضه للزراعة بالقول إن الشمندر، كمثال، يحقق عائدًا أعلى بكثير مقارنة بالقمح، مما يجعله الخيار الأفضل للمزارعين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

إن هذا الاستياء يعكس مشكلة أعمق تعاني منها الزراعة في مصر؛ فالحكومة، على الرغم من محاولاتها، لا تزال بعيدة عن تقديم حلول جذرية لمعالجة الأزمات التي تواجه الفلاحين. ومع ارتفاع التضخم بنسبة تقارب 25%، يرى المزارعون أن الزيادة المقدمة في سعر القمح لن تكفي لتغطية تكاليف الإنتاج المتزايدة باستمرار.

انخفاض الإنتاج المحلي واعتماد متزايد على الاستيراد
يُعتبر القمح سلعة استراتيجية في مصر، حيث يعتمد أكثر من 70 مليون شخص على الخبز المدعوم. عادةً ما تشتري الحكومة نحو 3.5 مليون طن من المزارعين المحليين، بينما يتم استيراد الكميات المتبقية. ومع تخوف المزارعين من زراعة القمح بسبب عدم الجدوى الاقتصادية، يُتوقع انخفاض الإنتاج المحلي بشكل كبير.

تاجر القمح هشام سليمان، المقيم في القاهرة، صرح بأن "الانخفاض المتوقع في إنتاج القمح المحلي قد يجبر مصر على استيراد المزيد من القمح"، وهو ما يُعد بمثابة تحدٍ كبير للحكومة التي تواجه ضغوطًا اقتصادية داخلية ودولية.

فالاعتماد الزائد على الاستيراد في ظل تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار وارتفاع تكلفة الاستيراد سيزيد من العبء على الدولة.

ومع توقيع مصر على برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، يزداد الوضع تعقيدًا. تشمل شروط هذا البرنامج تقليل الدعم الحكومي وتطبيق سعر صرف مرن، مما أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 55% مقابل الجنيه.

هذا الوضع أدى إلى زيادة أسعار العديد من السلع الأساسية بما في ذلك القمح، مما يزيد من العبء على كاهل الدولة والمواطنين على حد سواء.

الإصلاح الاقتصادي والتحديات الاجتماعية
قرار الحكومة برفع سعر شراء القمح المحلي يأتي في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يُلزم الحكومة بتقليل الدعم. ولكن مع تطبيق هذه السياسات، يجد المواطن المصري نفسه أمام ارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة، بينما تظل الزيادة في الرواتب غير كافية لتغطية هذه التكاليف.
إن ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالخبز يُثير مخاوف حقيقية حول تدهور مستوى المعيشة، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفًا.

في ظل هذا الوضع، يشير المعارضون إلى أن سياسات الحكومة، بدلاً من أن تخفف من معاناة المواطنين، قد تزيد من الضغوط الاجتماعية وتُفاقم الأزمات الاقتصادية.

المستقبل: نحو أزمة قمح جديدة؟
مع توقع انخفاض الإنتاج المحلي للقمح وزيادة الاعتماد على الاستيراد، تتزايد المخاوف من إمكانية وقوع أزمة قمح جديدة في مصر. إذا استمرت هذه السياسات دون حلول جذرية لدعم الزراعة المحلية، فإن مصر قد تجد نفسها مجبرة على دفع أسعار أعلى للحصول على القمح المستورد، في ظل تضاؤل قيمة العملة الوطنية وارتفاع تكلفة الاستيراد.

يرى الخبراء أن الحلول الجزئية التي تعتمدها الحكومة، مثل رفع الأسعار بشكل طفيف، لا تقدم معالجة شاملة للأزمة الزراعية في مصر. يتطلب الأمر خطة استراتيجية طويلة المدى تشمل تحسين البنية التحتية الزراعية، وتقديم دعم مباشر للفلاحين، وتوفير الحوافز الاقتصادية التي تجعل زراعة القمح خيارًا مربحًا.

خاتمة: هل السياسات الحكومية كافية؟
بينما ترى الحكومة في زيادة أسعار شراء القمح خطوة نحو دعم الزراعة المحلية، فإن المعارضة تنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة محدودة وغير كافية للتعامل مع أزمة أعمق.

في ظل استمرار التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يشعر الفلاحون بأنهم يُتركون وحدهم لتحمل العبء الاقتصادي، بينما تستمر الدولة في تقديم حلول مؤقتة دون معالجة الأسباب الحقيقية للأزمة.
وفي الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلى أكثر من 8 ملايين طن من القمح سنويًا لتلبية احتياجاتها الغذائية، يبدو أن الاعتماد المتزايد على الاستيراد سيظل جزءًا من الواقع المصري في المستقبل القريب. ولكن إذا لم تُتخذ تدابير جذرية لدعم الإنتاج المحلي وتعزيز استدامته، فقد تجد مصر نفسها في مواجهة أزمة اقتصادية أكبر بكثير مما تواجهه حاليًا.