أخبرونا منذ صغرنا أن أوروبا وأمريكا بلاد جميلة، فبالإضافة إلى جمال مناظرها، وسحر أجوائها، فأهلها متحضرون، متقدمون، يطبقون الديمقراطية كما درسناها في الكتب، ويعيشون الإنسانية بكل معانيها، فهم يحافظون على مكانة المرأة، ويحرصون على حقوق الطفل، ويَدْعُون للرأفة بالحيوان، ويجرمون التعدي على حرية الآخرين، وإلى غير ذلك من الصفات التي كنا نحلم بها.
كبرتُ وكبر في ذهني ما يرددونه عن هذه الدول – الحكومات والأنظمة – وكنت أتسأل بين الفينة والأخرى – داخل نفسي – إذا كانوا يملكون هذه الصفات الرائعة فلماذا أعطوا فلسطين لليهود؟ ولماذا يوافقون على احتلال إسرائيل لفلسطين ونحن نعيش في عالم متحضر كما يزعمون؟
وسرعان ما أجيب نفسي – حتى لا تتحطم هذه الصورة الذهنية الموجودة في ذاكرتي – إنهم مجبرون على ذلك، فاليهود يتحكمون في اقتصاد هذه الدول، ولذلك يداهنوهم، ويسعون لكسب رضاهم، وأنصرف من هذه الدائرة سريعًا.
ولكن من خلال حركتي ومتابعتي للأحداث، عرفت أن الموازانات السياسية، والمصالح الاقتصادية ، تحركان العالم جميعًا، فلا مبادئ تعلوهما.
وما إن جاء طوفان السابع من أكتوبر إلا وتَكشَّفت الأمور، وظهرت الحقائق، وخرجت الضغائن، وبانت الأكاذيب.
اتضج لي – مع الأسف – أني كنت مخدوعًا، بل كنت ساذجًا حين صدقت هؤلاء، فهم يرون أن الديمقراطية لا تصلح إلا لأوطانهم، وحقوق المرأة محفوظة إذا كانت في نطاقهم، والأطفال مقدسون إذا كانوا من بني جلدتهم، والحرية كائنة إذا خدمت أهدافهم.
أما الشعوب الشرقية فهي شعوب لا يحق لها أن تعيش إلا تبعًا لهم، تسعى لتحقيق أهدافهم – بالطبع أقصد الحكومات والأنظمة – وتعمل على رفاهيتهم، ولكن إذا طالبت هذه الشعوب بحريتها، أو قارنت نفسها بهم، فعليها أن تواجه الدمار، والخراب، والموت، فلا حرية لها، ولا ديمقراطية تستحقها، ولا وجود لأطفال ولا حقوق لمرأة.
فالفلسطنيون لا يحق لهم أن يتذمروا، أو يتضجروا، أو يقاوموا الاحتلال - من وجهة نظر الأنظمة الغربية - وعليهم أن يقابلوا الموت الإسرائيلي وهم مستسلمون؛ حتى لا يعكروا مزاج هؤلاء الصهاينة وهم يقتلونهم. أَمَا وإنهم قد دافعوا عن أنفسهم وهَجموا على من احتل أرضهم، وأخذَ أموالهم، فهم يستحقون الموت بل الفناء، فلا رحمة لشيخ، ولا قيمة لصرخة طفل، ولا حقوق لمرأة، فالكل يباد.
ورغم هذه الآلام والدماء فإني أجد رضًا تجاه طوفان السابع من أكتوبر، فيكفيه أنه كشف الكذَّبين، وعرى المنافقين، ورفع الغشاوة عن أعين الكثيرين، وجعل أقلامهم تهدر بوقفات من وحي الطوفان.
بقلم: محمود الرمادي
