حضرتُ المهرجان الانتخابي في اسطنبول، و لأول مرة أشاركُ فيها، فأدهشني - إلىٰ جانب الحضور الغفير - صيحات التكبير من جميع الحضور، والأشدُّ دهشة «المظهر النسائي المحتشم» ولأول مرة أكون في اسطنبول ولا أجد امرأة سافرة إلا ما ندر مع كثرة أعدادهن في المهرجان، فأيقنتُ أنَّ هذه هي القاعدة الصُّلبة التي يتكئ عليها الإسلاميون خلال العشرين السنة الماضية، مع وجود من ينحتُ في هذه القاعدة بتأويلاتٍ بعيدة وغريبة سواء كانت سياسية، أو مغلفة بوشاحٍ ديني. 
ويتساءل من يسمع لهذه التأويلات المتكلفة:

لماذا لم يقم أردوغان بتطبيقِ الشريعة؟! 
لماذا أطلق الحريات للجميع، فجوار المسجد محلًا للخمور ومرقصًا للفجور ؟
 لماذا أتاح المعصية وجعل الزنا كالزواج سواء بسواء فالشريك والزوج في القانون التركي والثقافة التركية سواء؟

لماذا أهمل تربية الجيل الناشئ فالمدارس المختلطة أكثر من غيرها والمساجد يعمرها كبار السن ولا يحضرها الشباب إلا يوم الجمعة والعيد أو ليلة رجب والنصف من شعبان؟!

أسئلة كثيرة تدور في الذهن، وتجعل الناظر من بعيد ينظر إلى المجتمع التركي كمستنقع للفساد، رضي به الحاكم، وإن لم يشارك في صنعه!

وأقول مستعينًا بالله:
انطلاقًا من القاعدة الفقهية المشهورة ”لا تكليف إلا بالمستطاع“، ولا تكليف مع العجز استنادًا لقوله الحقّ (لا يكلفُ الله نفسًا إلا وسعها). 

والقاعدة الفقهية يغفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء، وإلى المنهج الرباني الخالد في التدرج في الأحكام، والمنهج النبوي في التدرج في التكليف.

فضلًا عن القاعدة الفقهية: ارتكاب أخف الضررين بدفع أكبرها، ودفع المفسدة الكبرى بتحمل الصغرى، مع عدم قناعتي بالاستدلال بهما في هذا الباب وإن كان غيري يستدلُّ بهما في هذا الموطن. 

سألتُ أحد المستشارين عن التساؤلات السابقة، فاجاب بقوله: خطتنا في هذه المرحلة (النقل من الكفر الإجباري إلىٰ الإسلام الاختياري). 

ومن المعلوم عند الجميع ما معنى الكفر الإجباري السائد في العقود الماضية.  
والناظر عن قرب للتحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها هذا القائد يؤمن قطعًا أنه قد بذل ويبذل الجهد المستطاع في نقلهم من الكفر الإجباري إلىٰ الإسلام الاختياري، بل وتجاوز ذلك إلىٰ تغيير القناعات لدى الشعب بأنَّ الكفر والمعصية رذيلة وغير مستساغة والإسلام والطاعة هي الفضيلة.

فالمؤسس للرذيلة عمله مذموم سواء بقصد أو بغير قصد أما من صاحبها ولم يغيرها  فموكلولٌ إلىٰ نيته وقصده. ولك أن تسأل عن حال تركيا قبل عشرين سنة وحالها اليوم في جميع المجالات.
أما حديثنا عن منجزاته في الاهتمام بالكليات الخمس (الدين والنفس والمال والعرض والعقل) فواضح لكلِّ من يرى بعين الإنصاف، ويكفيه أنه الملجأ والملاذ لكلّ مسلم في أقطار الأرض، فهو الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد من المهاجرين مع استثناءات بسيطة لا تكاد تذكر أغلبها بسبب وجود الضغوط اللامحدودة من الداخل والخارج. ومن عاش في تركيا أدرك فحوى القول.

وكذلك تغييره الكبير في البلاد، إذ استطاع أن يحقق الأمن الغذائي والأمن العام الذين ذكرهما القرآن في كتابه (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وبلغ بهم في الاقتصاد والتكنولوجيا إلى أرفع درجة تليق بالشعب التركي والمسلمين عامة.

وغيرها من الإنجازات العملاقة التي سخرها الله على يديه، لكونه أهلا لذلك، فعمل بالأسباب دون كللٍ ولا ملل، مستعينًا بالله علىٰ تحقيق أهدافه لنهضة الوطن، وسنن الله لا تحابي أحدًا.

ومن الأمور التي لا يُلتفت إليها، نظرية «تجفيف منابع الشر» التي سطت وعشعشت علىٰ مدار سنوات وعقود في الشعبِ التركي بسبب التركة الهالكة، فلا يخفىٰ على أحد، التضييق علىٰ الخمور، وبيوت الخنا، ورفع الضرائب عليهما، ومحاولة تحجيمها بشتىٰ الوسائل المقننة لذلك، ناهيك عن حربه الضروس ضد الشـ. ذوذ الذي تمالأ العالم على فرضه، واتخاذه نهجًا. دون حياء أو خجل.

ونرجو أن تكون المرحلة القادمة - إن شاء الله - هي المرحلة المدنية التي تؤسس لدولةٍ عملاقة مستقلة لها التأثير الإيجابي الحسن في العالم الإسلاميِّ أجمع .


حفظ الله أردوغان وحفظ الله تركيا  وجميع بلاد المسلمين.