شكلَت حكومة الانقلاب لجنة استشارية تتولى مراجعة أسعار الدواء كل 6 أشهر، في محاولة منها لمراعاة مصالح المواطنين والشركات مع تذبذب سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024، بحسب وصف مسؤول حكومي لـ"الشرق" شريطة عدم ذكر اسمه لحساسية الملف.

وكشفت مصادر لـبرنامج "يحدث في مصر"، المذاع على قناة "إم بي سي مصر" أن هيئة الدواء المصرية وضعت خطة تدريجية لرفع أسعار الأدوية بواقع 30% على امتداد عام و3 أشهر.

وقال الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة تصنيع الأدوية بنقابة الصيادلة، في مداخلة هاتفية لبرنامج يحدث في مصر، إن هيئة الدواء أرسلت خطابات إلى شركات الأدوية للموافقة على زيادة أسعار منتج واحد لكل شركة بمتوسط زيادة يتراوح بين 20-25% لمعظم الأصناف، موضحًا أن زادت أسعار أدوية الفيتامينات والمكملات الغذائية بنسبة تصل إلى 50%، على أن يتم تطبيق الزيادة مع بداية الإنتاج الجديد لكل منتج، والمتوقع مطلع أغسطس، وفقًا لـ"مصراوي".

وأوضح: أن أصناف الدواء التي لم تكن متوفرة في الفترة السابقة سيتم توافرها قريبًا، مؤكدًا أن هيئة الدواء وافقت على زيادة بعض أسعار الدواء شريطة أن تنتج الشراكات نواقص أدويتها بالسعر القديم.

وتهاوت الجنيه بنحو 60% في ليلة واحدة عقب تحرير سعر الصرف في مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين تشهد ثالث أسوأ عملة أداءً أمام الدولار خلال العام الجاري، حيث سجل اليوم 47.53 جنيه أمام الدولار.

 

أسعار الأدوية

تقصر مصر تسجيل وتسعير وتداول ورقابة سوق المستحضرات والمستلزمات الطبية على "هيئة الدواء المصرية" التي انتقلت إليها هذه التخصصات حصرًا قبل 4 سنوات، بدلًا من وزارة الصحة والسكان.

وبحسب المسؤول الحكومي فإن اللجنة ستصدر توصياتها لهيئة الدواء التي ستتولى إصدار قرارات الزيادة أو الخفض على نحو دوري حسب أوضاع السوق، وأضاف: "عمل اللجنة لن يقتصر فقط على بحث أسعار الدواء في ضوء تغير سعر الصرف والمعطيات الاجتماعية، بل سيمتد للنظر في أسعار الأدوية التي يتم توريدها للمستشفيات الحكومية أيضًا".

وفشلت المفاوضات التي أجراها رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات جمال الليثي أخيرًا في التوصل إلى حلول حاسمة حول طلب الشركات زيادة بنحو 50% بأسعار 1500 دواء بصفة عاجلة، مع إعادة تسعير باقي المنتجات الدوائية التي تأثرت بتراجع الجنيه ثلاث مرات متتالية خلال عامين.

بدأت بعض الشركات الانسحاب من السوق المحلية والتوجه إلى العمل بالسعودية وكينيا، بينما لجأت شركات أخرى إلى التفاوض فرديًا مع الحكومة لرفع أسعار بعض منتجاتها لحين إصدار قرار عام بزيادة الأدوية.

طلب عدد من أعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب عقد اجتماع عاجل لمناقشة خطة الحكومة وهيئة الدواء لرفع أسعار الأدوية. ويدرس النواب مقترحات بمنح حوافر للمصنعين مقابل التزامهم بعدم رفع أسعار الدولار.

ومن جهته، يؤكد خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس، أن أزمة الدواء ستظل رهينة إعادة تسعير مستلزمات التصنيع والمنتجات الدوائية وفقًا للمتغيرات التي أحدثها التراجع بقيمة الجنيه خلال الفترة ما بين 2023 و2024، والتي شهدت تثبيتًا لأسعار الأدوية المنتجة والمستوردة رسميًا.

أوضح النحاس في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن شركات الأدوية تطالب بأن يسعر الدواء وفقًا للتغيرات التي طرأت على سعر الجنيه الذي شهد تراجعًا بنحو 40% خلال العام الجاري، و30% عام 2023، بالإضافة إلى ما تحملته الشركات من زيادة في أسعار الطاقة والوقود والنقل والتشغيل والأجور، وهو ما يعني مضاعفة الأسعار عما هو مطبق حاليًا.

وقال النحاس إن الحكومة أصبحت عالقة بين ضرورة السماح لشركات الأدوية بزيادة الأسعار لاستعادة الزخم في عمليات التصنيع، ومراهنتها على عنصر الوقت كي تتمكن الأسواق من امتصاص الزيادة في معدلات التضخم وتقليل نفقات التشغيل بما يمكّن من تخفيض النسبة النهائية المتوقعة في سعر الدواء.

 

الدولار ركيزة التسعير

رئيس شعبة الدواء بالاتحاد العام للغرف التجارية علي عوف أوضح أن على الشركات الراغبة في زيادة أسعار منتجاتها أن تتقدم بطلبات رسمية لهيئة الدواء المنوط بها الفحص والبت في الطلبات، موضحًا أن اللجنة الجديدة ستخلق حوارًا بين الأطراف المعنية في ضوء التغيرات المستمرة في سعر الصرف، وضبابية مستقبل سعر الدولار.

عوف أشار إلى أنه رغم تصنيع مصر 94% من الدواء محليًا، إلا أن 90% من المواد الخام المستخدمة في تصنيع الأدوية يجري استيرادها من الخارج. مضيفًا أنه في حال انخفض سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك، فمن حق المواطن حينها أن يطالب بتخفيض أسعار المنتجات الدوائية، وكذلك العكس حفاظًا على مصالح الشركات العاملة في السوق.

عوف ذكر أن متوسط الزيادة في أسعار مئات الأنواع من الأدوية الأكثر شيوعًا في البلاد سجل ارتفاعًا بنسبة 25% منذ تحرير سعر صرف الجنيه.

 

اختفاء الأدوية من الصيدليات

وحسب عاملين في القطاع، بلغت نسبة الأدوية الناقصة نحو 60% من الأصناف المختلفة ونحو 80% من الكميات المطلوبة للصيدليات شهريًا، خلال الأسبوعين الماضيين، ولم تعد قاصرة على الأمراض المنتشرة كالكبد والسكر والقلب والأورام والمخ والأعصاب، لتشمل طعوم الأطفال خارج جدول التطعيم الرسمي، وغيرها.

واعترف صيادلة بعدم قدرتهم الحصول على حصتهم الشهرية من الأدوية من الشركات، مؤكدين أن الأزمة تتسبب لهم في مشاكل هائلة مع المشترين والمرضى، الذين يعتقدون أن الصيادلة يمتنعون عن البيع أملًا في الحصول على سعر أعلى، مع إعلان الحكومة أنها تدرس طلب المصانع بزيادة الأسعار.

وقال صيادلة إن اختفاء الأدوية لم يعد قاصرًا على أرفف الصيدليات بل شمل مخازن التوزيع والشركات المنتجة التي لجأت إلى تخفيض الإنتاج أو وقفه تمامًا. أكد مدير لصيدليات شهيرة لديها مئات الفروع بالمدن الكبرى أن أسماء الأدوية الناقصة تربو على 1200، منها أدوية السكر ميكستارد المحلي ونوفا روم المستورد، وجميع البدائل.

يأتي حليب الأطفال على قائمة المنتجات الطبية المحلية والأجنبية الناقصة بكافة الصيدليات، وتنتشر في السوق الموازية لبيع الدواء بأسعار خيالية، مع عبوات الفيتامينات ومنشطات الذاكرة لمقاومة الزهايمر وأمراض الشيخوخة.

وفي تصريحات صحافية، يعيد رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب أشرف حاتم، غلاء الأدوية واختفاء بعضها إلى التغيير الحاد والمتكرر في سعر الصرف، الذي رفع سعر الدولار مقابل الجنيه من 18 إلى 47.53 جنيه خلال 30 شهرًا، مع حاجة المصانع إلى 90% من مستلزمات الإنتاج من الخارج، الأمر الذي رفع كلفة التصنيع.

يشير حاتم إلى أن المصانع المحلية توفر بدائل الأدوية باستخدام مواد فعالة ومستلزمات إنتاج من الخارج، وهو ما يدفع الشركات إلى التوقف عن التصنيع، وبعضها يتجه لإنتاج أدوية بغرض التصدير لضمان تحقيق عائد بالدولار مع حجب إنتاجها عن السوق المحلية خوفًا من الخسائر.

في ظل ارتفاع معدل الفقر الوطني في مصر من 29.7% عام 2020 إلى 32.5% عام 2022، يواجه المواطنون صدمات عدة، آخرها أزمة الدواء. وتزداد الصدمات مع توجه الحكومة إلى تقليص الدعم الحقيقي المخصص للصرف على الصحة والدواء، حيث خصصت 20.8 مليار جنيه فقط للتأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة بموازنة 2024-2025، من إجمالي 496 مليار جنيه موجهة بالموازنة العامة لقطاع الرعاية الصحية التي تتحملها الموازنة العامة والقطاعين العام والخاص.