نشرت صحيفة "الجارديان" تقريرٔا كتبه "بيثان ماكيرنان" و"سفيان طه" يوضح ما يعانيه الفلسطينيين في الضفة الغربية.
في وقت مبكر من يوم الجمعة 12 أبريل، قام "بنيامين أخيمير"، البالغ من العمر 14 عامًا، بجمع الأغنام في مزرعة “جال يوسف“، وهي موقع استيطاني إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وأخذها للرعي قبل بدء يوم السبت عند غروب الشمس. ولم يعد أبدا.
وعندما عاد القطيع من دونه، أطلق جيش وشرطة الاحتلال عملية بحث واسعة النطاق. وبعد حوالي 24 ساعة، عثرت طائرة مُسيرة على جثة الصبي واعتبر المسؤولون الإسرائيليون وفاته هجومًا إرهابيًا.
وقالت صحيفة "الجارديان"، إن المستوطنين في المنطقة لم ينتظروا معرفة مصير "أخيمير" قبل أن ينتقموا له. بعد ظهر ذلك اليوم من يوم الجمعة واليوم التالي، تعرضت قرى بيتين ودوما والمغير الفلسطينية المجاورة لهجوم من قبل مئات من المستوطنين المسلحين في حلقة غير مسبوقة من عنف المستوطنين التي خلفت مقتل "عمر حامد" البالغ من العمر 17 عامًا و"جهاد أبو عالية" البالغ من العمر 25 عامًا وإصابة 45 آخرين. وأصيب 18 شخصًا بالذخيرة الحية، من بينهم فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا أصيبت في ساقيها.
يوم الاثنين، هاجم حوالي 50 مستوطنًا عقربة بالقرب من نابلس، مما أسفر عن مقتل "محمد بني جامع" و"عبد الرحمن بني فاضل". وخلال الاشتباكات تم إغلاق الطرق وإحراق 60 منزلاً وشركة وأكثر من 100 سيارة وقتل أو سرقة مئات الأغنام، وفقًا للمستجيبين الأوائل والجماعات الحقوقية.
وفي المغير، تعرضت أيضا سيارة إطفاء للهجوم، مما أدى إلى فرار رجال الإطفاء. وتم إشعال النار في سيارة الإطفاء في وقت لاحق. ويظهر مقطع فيديو التقطه الصحفي "محمد تركمان" في المغير جنودًا من جيش الدفاع الإسرائيلي راجلين، بالإضافة إلى مركبات دورية مدرعة، لا يفعلون شيئًا لوقف الهجمات. ولم يستجب جيش الدفاع الإسرائيلي لطلبات المراقب للتعليق.
وخلال زيارة إلى المغير وبيتين يوم الخميس، كان القرويون لا يزالون يعانون من أحداث نهاية الأسبوع، حيث يقومون بتنظيف السخام والدخان من المنازل المدمرة واستخدام رافعة شوكية لإزالة المركبات المحترقة.
وقد تم ضمادات العديد من الرجال الذين حاولوا صد المستوطنين بإلقاء الحجارة أو كانوا يعرجون من جروح ناجمة عن طلقات نارية، وكان الأطفال المصابون بصدمات نفسية، الذين يعيشون الآن في منازل أقاربهم المكتظة، هادئين على نحو غير عادي.
محمد ورانيا أبو عالية هما زوجان شابان من المغير ينتظران طفلهما الأول، كانا يمزحان بشأن هروبهما بصعوبة. وعندما بدأ المستوطنون بالتدفق على التلال المحيطة بالقرية، هربت "رانيا" إلى منزل والديها، بينما بقي "محمد" للدفاع عن منزلهم وعن أعمال العائلة الميكانيكية في الطابق السفلي.
وحاول خمسة رجال مسلحين، جميعهم ملثمون، اقتحام الشقة في الطابق العلوي، لكنهم فشلوا، ثم أشعلوا النار في متجر السيارات بدلاً من ذلك. اقترب أحدهم من "محمد" بعد أن نجح في إخماد الحريق، ووضع مسدسًا على رأسه وضغط على الزناد قائلٔا: إما أن يطلق النار أو أنه ليس محشوًا. وعادوا يوم السبت، ونجحوا هذه المرة في إحراق ورشة الإصلاح وإلقاء قنابل المولوتوف عبر نوافذ الطابق الثاني.
قالت "رانيا" البالغة من العمر 24 عاماً: "إذا لم تضحك، فسوف تبكي". كانت يداها وقدماها الملبستان بالصندل سوداء بسبب الرماد والسخام بعد أيام من تنظيف الأضرار التي لحقت بالطابق العلوي.
وتابعت: "جاء مهندس ليلقي نظرة على المنزل وقال إنه ليس آمنا، ولكن ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه. أين نذهب؟ لا يوجد مكان آمن من المستوطنين”.
وأشارت "الجارديان“ إلى أن عنف المستوطنين ليس ظاهرة جديدة في المنطقة (ج)، التي تشكل 60% من الضفة الغربية وتقع تحت السيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية. العديد من الإسرائيليين البالغ عددهم 700 ألف أو نحو ذلك الذين انتقلوا إلى المنطقة والقدس منذ بدء الاحتلال في عام 1967، مدفوعون بما يعتبرونه مهمة دينية لاستعادة أرض إسرائيل التاريخية للشعب اليهودي.
ويُنظر إلى المجتمعات الاستيطانية على أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي، وواحدة من أكبر العقبات أمام حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ 76 عاما. البؤر الاستيطانية مثل المزرعة التي كان أخيمير يعمل فيها هي مستوطنات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي أيضًا.
وبسبب عملية السلام المتكلسة، والتحول المطرد نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، تفاقمت عمليات الاستيلاء على الأراضي والهجمات العنيفة في المنطقة (ج) التي تهدف إلى إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم على مدى السنوات القليلة الماضية.
كان انتخاب شخصيات يمينية متطرفة بارزة من حركة الاستيطان إلى مناصب حكومية في نهاية عام 2022 بمثابة نقطة تحول سرعان ما تجلت في هجوم غير مسبوق على بلدة حوارة في فبراير من العام الماضي.
منذ 7 أكتوبر، اشتد عنف المستوطنين في جميع أنحاء الضفة الغربية، مما أدى إلى تهجير قرى بأكملها للمرة الأولى، ويشن جيش الدفاع الإسرائيلي غارات على حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني بالإضافة إلى غارات محلية في جنين ونابلس وطولكرم كل ليلة تقريبًا. وقتل نحو 466 فلسطينيا في الضفة الغربية خلال الأشهر الستة الماضية، من بينهم مقاتلون مسلحون، فضلا عن 13 إسرائيليا، من بينهم اثنان من أفراد قوات الأمن الإسرائيلية.
وذكرت "الجارديان“ أن الوضع المتدهور بسرعة في الضفة الغربية قد طغت عليه إلى حد كبير الخسائر البشرية المدمرة التي خلفتها الحرب في غزة.
ولكن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية أصبحوا أفضل تنظيماً، وتسليحاً أفضل، ويعملون بأعداد أكبر من أي وقت مضى، إلى الحد الذي أصبحوا فيه الآن أشبه بميليشيات الأمر الواقع التي تعمل في ظل حصانة شبه تامة. فقط 3% من ملفات الشرطة المفتوحة بخصوص عنف المستوطنين منذ عام 2005 انتهت بالإدانة؛ والعديد من هؤلاء الجناة أنفسهم يحملون الآن بنادق آلية من طراز M16 بعد قرار وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير بتخفيف القيود المفروضة على تصاريح الأسلحة لليهود في أعقاب أحداث 7 أكتوبر.
وفي منزل حامد في بيتين، كان والدا عمر، البالغ من العمر 17 عامًا، الذي أصيب برصاصة في رأسه على يد مستوطنين يوم الجمعة، وأربعة أشقاء، حزنوا على فقدان أصغر أفراد الأسرة. كانت آخر مهمة مدرسية له هي مشروع نجارة غير مكتمل، بجوار الباب الأمامي.
وكان عمر يلعب ألعاب الفيديو في منزل عمته عندما بدأ المستوطنون بمحاصرة مداخل القرية مساء الجمعة، وتوجهوا إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى بيتين مع نحو 20 آخرين من المراهقين والرجال في محاولة لمنع نحو 50 مستوطنا من الدخول. وقال علاء حامد (43 عاما)، وهو ابن عمته، إن أحد الإسرائيليين أطلق رصاصة واحدة على الحشد. وفي الظلام والفوضى، لم يدرك أحد على الفور أن الصبي قد أصيب.
وقال أحمد والد عمر: "إنهم يرسلون الكشافة أولا الآن، وأحيانا يرتدون الزي العسكري ويستخدمون سيارات تحمل لوحات ترخيص فلسطينية. ومن الواضح أنهم أصبحوا أكثر تنظيما. كل مرة تكون أسوأ من المرة التي قبلها”.
وتابع: "أنا متفائل بأنه كلما أصبح الإسرائيليون أكثر عدوانية، كلما أصبح العالم ضدهم أكثر. ما يقلقني هو ما سيحدث قبل ذلك الوقت".