توفي العلامة الجزائري محمد الطاهر آيت علجت، عن عمر ناهز 107 أعوام بعد الوعكة الصحية الأخيرة التي ألمّت به، تاركا وراءه مسارا حافلا في حقول الدعوة الإسلامية ومحاربة الاستعمار الفرنسي وإرثا كبيرا في مجال تدريس العلوم الدينية والفقهية وفق المذهب المالكي الذي تعتمده البلاد.

 

وجاء الإعلان عن الوفاة في منشور على الصفحة الرسمية لوزارة الشؤون الدينية، ورد فيه “الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، رئيس اللجنة الوزارية للفتوى واللجنة الوطنية للأهلة والمواقيت الشرعية في ذمة الله، رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح الجنان”.

 

وستجري مراسم الدفن اليوم، حيث سينقل جثمان الطاهر آيت علجت من مستشفى مصطفى باشا الجامعي إلى بيت العائلة في بوزريعة بأعالي العاصمة لتغسيله، ثم ينقل إلى ساحة مقبرة عيسات إيدير ببني مسوس في العاصمة، وهناك تصلى الجنازة عليه بعد صلاة الظهر.

 

ونعى محبو الشيخ وتلاميذه رحيله بكلمات مؤثرة، فكتب سمير حميطوش: “هوى النجم..  انطفأ السراج..  قبض علم ورفع.. ترجل العالم العامل المربي المجاهد الطاهر…  موعدنا سيدي ظل العرش والحوض”، ودعا الشيخ عبد الحليم قابة بأن يخلف الله على الجزائر والمسلمين بعد رحيله.

 

وقال بومدين بوزيد، الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى، في سيرة مختصرة للشيخ آيت علجت، إن الراحل عاش أزمنة الجزائر المعاصرة، كانت زاويته رباطاً جهادياً ضدّ الاحتلال الفرنسي، وتخرّج علي يديه ثلّة من العلماء أغلبهم شارك في الثورة وحماية المذهب والخصوصيّة الثقافية للجزائر.

 

وأضاف: “كان مفتياً للثورة وحاول جهْده منع الحكم بالإعدام على الحركى (الجزائريون الذين تعاونوا مع الاستعمار ضد الثورة) وأفتى بذلك، وتلك شجاعة ورؤية متبصّرة”.

 

وتابع: “تعرّفت عليه وجالسته تبركا في مناسبات، وكنت أقول في نفسي لماذا لا يقتدي به مدّعو التصوف والفتوى من الدجالين والمدعين والطماعين وتكون زواياهم عامرة بالقرآن والعلم وعمل الخير والإصلاح بين الناس؟”.

 

ويعد آيت علجت الذي فقد ابنه الثمانيني قبل أسابيع من كبار علماء الجزائر والمجاهدين إبان ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي حيث كان قاضيا شرعيا في صفوف جيش التحرير الوطني.

 

والشّيخ العلاّمة محمّد الطّاهر بن مقران بن محمّد الطّاهر آيت علجت، المولود في 7 فيفري 1916م ببني عيدل في بلدية ثامقرة ولاية بجاية، يعد أحد أبرز علماء الجزائر والعالم الإسلامي.

 

قضى قرنًا من الزّمن في خدمة العِلم وأهله، طالبًا ومعلّمًا ومُصلحًا وموجّهًا ومجاهدًا مع إخوانه بالعِلم والسّلاح لتحرير الجزائر والوطن العربي والإسلامي من الاستعمار الغاشم.

 

حفظ القرآن الكريم على يد والده، وهو في الحادية عشر من عمره، ثمّ أوكله إلى ثلاثة من شيوخ ثامقرة، أوّلهم الشّيخ الصّالح أوقاسي (المتخصّص في القراءات العشر) تلقّى شيئًا منه إلى جانب مبادئ العلوم الشّرعية والنّحوية، وثانيهم الشّيخ محند وعلي والطيب، أمّا ثالثهم فهو الشّيخ الطيّب اليتورغي.

 

إن الحديث عن شخص العلامة الجليل، محمد الطاهر آيت علجت، كمثل الاغتراف من ماء البحر، فلا يمكن للقلم أن يخط مسيرته في الدعوة إلى الله، بكل الأشكال، سواء إبان ثورة التحرير أم بعد الاستقلال، ولا الصفحات قادرة على تدوينها.

 

لقد بلغ الشيخ آيت علجت من الكبر عتيّا، عمر أفناه في محاريب العلم وميادين العمل، وفي حديث أبي صفوان الأسلمي: “خيركم من طال عمرُه وحسُن عمله”.

 

إنه سحابة من المهابة يقصد في مشيه وكأنه يحاكي في ذلك من وصفهم الله تعالى بقوله: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” (الفرقان 63).