قرارات متسارعة وغير مدروسة قامت بها حكومة الانقلاب بحسب مراقبين من أجل الاستحواذ على أرز الفلاحين بعد عجزها في توفير احتياجاتها من السوق الخارجي، حيث تمثلت هذه القرارات بغلق مضارب القطاع الخاص ليفقد الفلاح المصري أحد المصادر الهامة لتسويق إنتاجه.


كما لم تكتفي حكومة الانقلاب بإغلاق مضارب الأرز الخاصة بل فرضت على الفلاحين توريد طن أرز على كل فدان، بأسعار تحدده الحكومة زاعمة أن الفدان ينتج 4 أطنان لكن الفلاحين نفوا ذلك مؤكدين أن الفدان لا يتجاوز 2 طن في أحسن الأحوال وأن متوسط الفدان هو طن ونصف، ما يعني خسائر فادحة لهم.


غلق مضارب الأرز الخاصة


في صفعة جديدة توجها حكومة الانقلاب للفلاح، أكد مسؤول في غرفة صناعة الحبوب أن الحكومة المصرية بدأت في إغلاق مضارب الأرز الخاصة، ومنعها من القيام بضرب (تقشير) وتسويق الأرز، ومصادرة أي كميات يجرى توريدها لغير مضارب ومخازن الحكومة، بحسب العربي الجديد.


وتوقع المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، ارتفاع أسعار الأرز خلال الأيام المقبلة، نتيجة تراجع المعروض في ظل إغلاق مضارب القطاع الخاص واحتكار الحكومة ضرب وتسويق الأرز، لافتاً إلى أن الطاقة التشغيلية لمضارب الحكومة تبلغ نحو 200 ألف طن أرز شعير، في حين أن المستهدف توريده من المزارعين 1.5 مليون طن.


فيما أبلغ رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب، رجب شحاته، عددا من أصحاب المضارب الخاصة، أن قرار وزير التموين كان فجائيًا وصدر من دون علم الشعبة، وأنه حاول مقابلة وزير التموين على مصيلحي لمدة 3 أيام متتالية لكن محاولاته فشلت، بحسب الصحيفة.


الإطاحة بالفلاح من مشهد الأرز


بينما يرى خبراء زراعيون أن فشل الحكومة في تجميع دولارات من أجل شراء احتياجات الشعب من الأرز، جاء وراء القرارات الأخيرة للإطاحة بالفلاح واعتلاء مشهد البيع بدلا منه، فارضة غرامات وتوعدات مجحفة للمخالفين منها قطع المياه وعدم استلام الأسمدة بالإضافة لغرمات مالية كبيرة قدرها 10 آلاف جنيه عن كل طن لا يتم توريده.


ولمحاصرة الفلاح والإطاحة به من المشهد بدأت في إغلاق مضارب الأرز الخاصة، ومنعها من القيام بضرب (تقشير) وتسويق الأرز، ومصادرة أي كميات يجرى توريدها لغير مضارب ومخازن الحكومة.


تشريد آلاف العمال


كأي نظام لم يأتي بالصندوق الانتخابي وإرادة شعبية لا يهتم سوى ببقاء السلطة في يده ولو على حساب أبناء جلدته وهذا ما يفعله العسكر بإدارة الملفات في البلاد كل ما يعنيهم هو البقاء ولو على حساب رقاب المواطنين وهو ما ظهر جليا بسوء الإدارة المتعبة في الملف الاقتصادي فبعد غلق آلاف المزارع والمصانع أتى الدور على تشريد آلاف العمال الذين يعملون في مضارب القطاع الخاص.


ويقول أحد أصحاب المضارب في تصريحات صحفية إن قرار وزير التموين علي مصيلحي يسير في اتجاه مفاقمة الأزمة فبدلا من حل مشاكل أصحاب المصانع المتعثرة، سيؤدي قرار وزير التموين إلى إغلاق المضارب الخاصة وتشريد العمال وتعرض بعض أصحابها للسجن عقب التوقف عن سداد القروض"، مشيرًا إلى أن إغلاق المضارب الخاصة قد يؤدي لارتفاع ثمن كيلو الأرز إلى 20 جنيهًا.


فيما انتقد خبراء سياسة استيراد الأرز الأجنبي التي دمرت صناعة الأرز المحلية العملاقة، والتي تعمل بها 7‏ شركات مملوكة للدولة ومئات المضارب الخاصة وشردت 25‏ ألف عامل يعملون فيها حيث توقفت المضارب لشهور طويلة ثم لسنوات، واختفى الأرز من الأسواق.


ووصل العجز في منظومة السلع التموينية إلى 100% في محافظات الصعيد، والوجه البحري إلى 80%، ثم رفع تماما من المنظومة.


الحكومة تغتصب طن من كل فدان


في قرار ضد القانون صدر علي المصيلحي- وزير التموين والتجارة ‏الداخلية قرارًا رقم 109 لسنة 2022 لتنظيم عملية التداول والتعامل على ‏الأرز الشعير المحلي لهذا الموسم، وأشار القرار إلى أن موسم توريد شعير ‏الأرز المحلي بدأ منذ يوم 25 أغسطس وحتى 15 ديسمبر القادم.‏


وأكد الوزير في بيانه، إجبارية توريد طن واحد أرز شعير عن كل فدان مزروع وهو ما يعادل ‏‏25% من إنتاجية الفدان لحساب هيئة السلع التموينية، بإجمالي مستهدف ‏‏1.5 مليون طن أرز شعير خلال موسم التوريد لهذا العام.


وأضاف أن الأسعار المحددة للتوريد هذا العام تبلغ 6600 للطن أرز رفيع الحبة، و6850 جنيها ‏للطن أرز عريض الحبة، مشيرا إلى أن مستحقات الموردين ستصرف ‏خلال 48 ساعة بحد أقصى من الاستلام، ويعد عدم التسليم مخالفة تموينية ويتم حساب قيمة الأرز الشعير ‏غير المسلم بمبلغ عشرة آلاف جنيه لكل طن ويلتزم بسدادها كل من يمتنع ‏عن تسليم الكميات المحددة.‏


وتعليقا على قرارات وزارة التموين قال الدكتور عبد التواب بركات الأكاديمي والكاتب المصري وأستاذ مساعد في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة أن النظام ليس حريصا على الأمن الغذائي للمواطن المصري، ولا على تأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز كسلعة استراتيجية، ولا يعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز، ولا يوفر الأسمدة والمبيدات والتقاوي بأسعار مدعمة كما يدعي القرار، موضحا أن هيئة السلع التموينية توقفت عن بناء مخزون احتياطي استراتيجي من الأرز، بوصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وامتنعت عن شراء الأرز من الفلاحين بنظام التوريد المباشر إلى الشراء من التجار بنظام المناقصات. 


سياسات مرسي الأنجح


وأوضح بركات أن سياسات الرئيس الشهيد محمد مرسي لتحقيق الأمن الغذائي، دعم مزارعي الأرز بالسعر المحفز، ففي مؤتمر احتفاله بعيد الفلاح بعد ثلاثة أشهر من انتخابه في سبتمبر سنة 2012، قرر رفع سعر توريد الأرز من 1400 جنيه للطن إلى 2050 جنيها. هذا القرار قضى على احتكار التجار أسعار الأرز التي لم تزد عن 1450 جنيها للطن.


ولفت في مقال له إلى أن الرئيس مرسي أسقط  الغرامات المالية المفروضة على المزارعين من حكومات مبارك والمجلس العسكري والتي استهدفت منع التوسع في زراعته. ولأول مرة تبلغ مساحة الأرز قرابة 1.9 مليون فدان في موسمي 2012/2013.


وكذلك كلف الرئيس مرسي وزارة التموين بشراء الأرز من المزارعين مباشرة وبناء مخزون استراتيجي، فاشترت الوزارة 800 ألف طن، وهو احتياطي استراتيجي لم تحققه حكومة من الحكومات من قبل ولا من بعد، وظل سعر الأرز في منظومة السلع التموينية 1.5 جنيه فقط للكيلو، بمعدل 2 كيلو كل مواطن في الشهر.


وأكد أن قرار الدكتور مرسي حقق وفرة في الأرز الأبيض طوال السنة التي حكمها، ولم يزد السعر عن جنيه ونصف الجنيه للكيلو في منظومة بطاقات التموين، وثلاثة جنيهات ونصف الجنيه في السوق الحر، وعاد بالرخاء على المزارعين الذين ربحوا 500 جنيه إضافية في كل طن كانت تذهب لمافيا الأرز، فأفاد القرار الفلاح المنتج والمواطن المستهلك، ودعم الأمن الغذائي المصري بزراعة الأرز كمحصول استراتيجي وكبديل للقمح اللازم لصناعة الخبز وتستورده الدولة من الخارج بالدولار.


المساحة المزروعة من الأرز


يشار إلى أن حكومة الانقلاب  في 2018 اتخذت قرارًا لضرب أهم المحاصيل الاستراتيجية التي كانت تدر العملة الصعبة للبلاد بتصدريها، بخفض مساحة الأرز المسموح بزراعتها إلى 724 ألف فدان بعد أن وصلت في سنة 2013 إلى قرابة 2 مليون فدان.


واستحدث نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي تعديلات على قانون الزراعة المصري المعمول به منذ سنة 1966 تقضي بعقاب مزارعي الأرز بالحبس حتى 6 أشهر، وبالغرامة المالية حتى 20 ألف جنيه، لمن يزرع الأرز في مناطق غير مصرح بها، بعد أن كانت تقتصر العقوبة على غرامة مالية لا تزيد على خمسين جنيهًا.


الأرز مشاكل مستمرة والفلاح هو كبش الفداء


وعن مشاكل الأرز تحدث الخبير الاقتصادي ووزير التضامن الاجتماعي الأسبق في مصر، جودة عبد الخالق، إلى أن الحكومة المصرية أصدرت قرارات لضبط ارتفاع سعر الأرز بصورة كبيرة وغير مبررة، قررت إعمالا لقانون بتحديد سعر إلزامي للأرز الأبيض، 13 جنيها للكيلو السايب و15 جنيها للمعبأ.


كما أكد وزير التموين والتجارة الداخلية أنه لن يسمح بزيادة سعر الأرز (السايب) عن 13 جنيها كحد أقصى، كما أصدر قرارا يفيد باستلام الدولة الأرز من المزارعين مثل القمح.


وأشار عبد الخالق إلى أنه كان سباقا لتصميم وتطبيق هذه السياسة بالفعل في موسم 2012 عندما كان وزيرا للتموين والتجارة الداخلية، مما ساهم كثيرا في كسر احتكار تجار الأرز وضبط أسعاره في السوق. لكن بمجرد اعتذاره عن الاستمرار في مهامه، عادت الأمور كما كانت عليه.


ورغم قرار مجلس الوزراء وتأكيد وزير التموين، فإن الأرز ما زال يباع فعلا بالسعر الذي يفرضه التجار وليس السعر الذي حددته الحكومة، ما يزعزع ثقة المواطنين في قرارات المسؤولين.