زيارة رسمية "غير مجدولة"، واتصال هاتفي بعد أقل من 24 ساعة، أثبتا أن هناك تقاربًا ملحوظًا بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي استقبل السيسي في 22 يوليو الماضي في قصر الإليزيه، ثم أجرى اتصالًا معه بعد مغادرته باريس بساعات.

مصر والدول الأوروبية: مرحلة تمهيدية من التفاوض

قال دبلوماسي مصري، إن أحد الملفات المشتركة التي تهم كلًا من مصر وفرنسا في الوقت الحالي الملف الاقتصادي الذي تعاني منه حكومة الانقلاب وتحديدًا في الفترة الأخيرة، إلى جانب قضايا سياسية أخرى تهم الجانب الفرنسي بشكل خاص، ومتعلقة بحضور فرنسا في القارة الأفريقية.

وأضاف المصدر – الذي طلب عدم ذكر اسمه - أنه "بسبب الكثير من المصالح المشتركة بين البلدين، حاولت فرنسا الدفع باتجاه إيجاد حلّ للأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، وتهدد استقرارها السياسي، بسبب شحّ العملة الأجنبية ونقص المواد الغذائية جرّاء الحرب الروسية على أوكرانيا، وذلك من خلال مسارات عدة، من بينها المسار الخاص بطلب مصر قرضًا من صندوق النقد الدولي".

وفي هذا الصدد، كشف دبلوماسي غربي في القاهرة، شرط عدم ذكر اسمه، أن الحكومة المصرية "بدأت مفاوضات غير معلنة مع بعض الدول الأوروبية، في مقدمتها ألمانيا وفرنسا، بهدف مبادلة ديون مستحقة لها بأصول مملوكة لحكومة الانقلاب، وشركات أخرى بعضها مملوك للقوات المسلحة".

وقال الدبلوماسي الغربي إن "الحكومات الأوروبية الدائنة مهتمة في الوقت الراهن بقطاع الطاقة والاستحواذ على حصص في هذا القطاع"، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن المفاوضات مع بعض العواصم الأوروبية "لا تزال في مرحلتها التمهيدية"، وفقًا لـ"العربي الجديد".

من جهته، قال مسؤول مصري في إحدى المؤسسات المالية الدولية إن "الدول الغربية التي سعت إليها مصر من أجل التوسط لدى صندوق النقد الدولي لإقناعه بالتنازل عن الشروط التي فرضها على مصر في مقابل تمويل حكومتها بقرض جديد، لم تنجح إلى حد كبير في تلبية الرغبة المصرية حتى الآن".

وأوضح المصدر أن "التقارب الأخير بين مصر من جهة، والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى، فتح المجال أمام مساعدة تلك الدول لحكومة الانقلاب من أجل الحصول على قرض جديد من صندوق النقد، لكن هذه المساعدات تبقى محدودة بالشروط والمعايير الخاصة بالصندوق".

ورجّح المصدر أن "يتمسك صندوق النقد الدولي بالشروط التي وضعها لحكومة الانقلاب، والتي تخشى الأخيرة من أن تتسبب في أزمة سياسية في البلاد التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية".

وقال المصدر إنه "أمام تلك المعادلة الصعبة، قد يتم التوصل إلى صيغة ما تجنّب حكومة الانقلاب الضغط على مواطنيها بما يهدد باضطراب اجتماعي وسياسي، وفي الوقت نفسه تحقق لصندوق النقد المعايير الخاصة به".

شدّ وجذب بين القاهرة وصندوق النقد

وتسرّع حكومة الانقلاب خطواتها في محاولة لكسب ثقة بعثة صندوق النقد الدولي، حتى يتسنّى لها الحصول على قرض جديد تصل قيمته إلى 10 مليارات دولار.

وفي هذا السياق، كشف مسؤول حكومي عن كواليس الأيام الأخيرة من المفاوضات بين حكومة الانقلاب وبعثة الصندوق الدولي، مشيرًا إلى أنه "كان هناك شد وجذب من الطرفين".

وأوضح أن الأيام الماضية "شهدت حدثًا أثّر سلبًا على المفاوض المصري، بعدما تخلّفت القاهرة عن سداد دفعة من الأقساط المستحقة للصندوق أخيرًا ضمن أقساط القرض السابق الذي حصلت عليه مصر، وهو ما أكدت بعثة الصندوق أنه مؤشر سلبي، ينعكس بالضرورة على حجم الضمانات الخاصة بالقرض المزمع تقديمه".

وفي السنوات الست الأخيرة، حصلت مصر على 3 قروض من صندوق النقد الدولي، الأول في عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي، والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، واستكملت بقرض ثالث بقيمة 5.2 مليارات دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني.

وأوضح المسؤول أن الصندوق "كان متمسكًا بشرط التحرير الكامل للجنيه، وهو المقترح الذي رفضته الدوائر المصرفية بشدة، والتي أكدت أن الموافقة على هذا الشرط يعني وصول سعر الدولار إلى قرابة الـ30 جنيهًا، وهو ما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد المصري"، علمًا أن الدولار يساوي حاليًا ما يناهز الـ19 جنيهًا.

وتابع المسؤول الحكومي، الذي يخول له موقعه الاطلاع على تفاصيل المفاوضات الجارية بين الحكومة المصرية وبعثة الصندوق، أنه "أمام تمسك القاهرة برفض مسألة التحرير الكامل لسعر الصرف، وكذلك اثنين من المطالب المتعلقة بالتحرير الكامل لسعر الوقود وعدم دعمه، والتحرير الجزئي لسعر رغيف الخبز، اشترط الصندوق معادلة متعلقة بخفض حجم الدين الخارجي".

وبلغ حجم الدين المصري نحو 158 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، بحسب تقرير أصدره البنك الدولي في مطلع شهر يوليو الماضي. وتلتزم مصر بدفع مستحقات ديون خارجية بقيمة 33 مليار دولار في عام واحد من مارس الماضي حتى مارس المقبل، وفقًا للتقرير ذاته.

وقال المسؤول الحكومي إن القاهرة أبدت مرونة بشأن التفاوض حول هذا المطلب قبل أن تتم الموافقة عليه وإبداء الاستعداد بشأن تنفيذه، وكشف أن الخطوات الأخيرة التي تم الإعلان عنها بشأن استحواذات خليجية على بعض الشركات المصرية جاء في إطار التخفف من الديون عبر مبادلتها باستثمارات.

وأعلنت وزارة التخطيط المصرية في 10 أغسطس الحالي، أن الشركة السعودية المصرية للاستثمار، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، استحوذت على حصص أقلية في أربع شركات مصرية، هي: "أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية"، و"مصر لإنتاج الأسمدة"، و"الإسكندرية لتداول الحاويات"، و"البضائع للاستثمارات المالية والرقمية"، بقيمة 1.3 مليار دولار، أو نحو 24.9 مليار جنيه.

ودعا السيسي، في 14 يونيو الماضي، على هامش افتتاح عدد من مشروعات الإنتاج الحيواني، السعودية والإمارات إلى تحويل ودائعهما لدى البنك المركزي إلى استثمارات في مصر. وتجري مصر في الوقت الراهن مفاوضات مع الصين بهدف مبادلة ديون مستحقة للصين بـ8 مليارات دولار بأصول استراتيجية مصرية من موانئ ومطارات.

من جانبه، توقع مسؤول مصرفي أن "تنتهي المفاوضات بين حكومة الانقلاب وبعثة صندوق النقد الدولي قبل ديسمبر المقبل وحصول مصر على الدفعة الأولى من القرض في مطلع ديسمبر"، وأشار إلى أن "هناك إشارات تلقاها القطاع المصرفي من دوائر سياسية بشأن هذه التوقيتات حتى يكون العاملون في القطاع المصرفي قادرين على ترتيب احتياجاتهم من النقد الأجنبي في ضوء هذه التوقيتات".

ووفقًا للمسؤول المصري، تتصدر الصين قائمة الدول الدائنة لمصر بحجم قروض يقترب من 20 مليار دولار، تليها ألمانيا ثم اليابان، فيما تأتي فرنسا في المرتبة السادسة بين الدائنين.