14/2/2010
* حديبي المدني :
كان لي زعيم ومات :
هذا الشيخ محمد الحامد رحمه الله-وهو الذي لم تقع العين على مثله علما وعملا وحالا و ورعا والتزاما وتحقيقا- كان يقول عن الأستاذ المجدد حسن البنا " كان لي زعيم ومات " !
زعيم من أرباب القلوب :ذوي السير إلى الله سبحانه :المربين بالروح بله اللسان،قضى أمدا من عمره سالكا طرق المجاهدة والتصفية،قاطعا مراحلها حتى بلغ غاية رفيعة،وقعد مقعدا عاليا..وكان إلى آخر عمره إذا ذكره يبكيه بكاء مرا...!
آذوك ظلما فلم تجز الأذى بأذى ... وكان منك جزاء السوء إحسانا
وكنت كالنخل يُرمى بالحجارة من ... قوم فيرميهم بالتمر ألوانا
قد أوسعوك أكاذيبا ملفقة ... وأنت أوسعتهم صفحا وغفرانا
حسن البنا : الملهم الموهوب .. أستاذ الجيل .. صاحب المنظومة الشمولية النادرة المتفردة الفريدة :
دمعة الصوفي، وحدس السياسي،وهمة القائد، ودقة العالم، وحرارة الداعية، واشراقة الأديب، وشجاعة المقاتل، وحرقة الأم الثكلى.
رجل موهوب مهيأ، وليس من سوانح الرجال ولا صنيعة بيئة أو مدرسة، ولا صنيعة تاريخ أو تقليد، ولا صنيعة اجتهاد ومحاولة وتكلف، ولا صنيعة تجربة وممارسة، إنما هو من صنع التوفيق والحكمة الإلهية والعناية بهذا الدين وبهذه الأمة، والغرس الكريم الذي يهيأ لأمر عظيم ولأمل عظيم في زمن تشتد إليه حاجته وفي بيئة تعظم فيها قيمته.
لك يا إمامي يا أعز معلم يا حامل المصباح في الزمن العمي
يا مرشد الدنيا لنهج محمد يا نفحة من جيل دار الأرقم
حسبوك مت وأنت حي خالد ما مات غير المستبد المجرم
حسبوك مت وأنت فينا شاهد نجلو بنهجك كل درب معتم
شيَّدت للإسلام صرحًا لم تكن لبناته غير الشباب المسلم
وكتبت للدنيا وثيقة صحوة وأبيت إلا أن تُوقَّع بالدم..!
( جمع الله فيه مواهب وطاقات قد تبدو متناقضة في عين كثير من علماء النفس والأخلاق، ومن المؤرخين والناقدين، هي العقل الهائل المنير، والفهم المشرق الواسع، والعاطفة القوية الجياشة، والقلب المبارك الفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسان الذرب البليغ، والزهد والقناعة - دون عنت - في الحياة الفردية، والحرص وبعد الهمة - دونما كلل - في سبيل نشر الدعوة والمبدأ، والنفس الولوعة الطموح، والهمة السامقة الوثابة، والنظر النافذ البعيد، والإباء والغيرة على الدعوة، والتواضع في كل ما يخص النفس.. تواضعاً يكاد يجمع على الشهادة عارفوه، حتى لكأنه -كما حدثنا كثير منهم - مثل رفيف الضياء: لا ثقل ولا ظل ولا غشاوة.)
سمات العبقرية الفذة :
شغفه بدعوته واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها: بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يجري الله على أيديهم الخير الكثير..
2-تأثيره العميق في نفوس أصحابه وتلاميذه ونجاحه المدهش في التربية والإنتاج: كان منشئ جيل، ومربي شعب، وصاحب مدرسة علمية فكرية خلقية، وقد أثر في ميول من اتصل به من المتعلمين والعاملين، وفي أذواقهم وفي مناهج تفكيرهم وأساليب بيانهم ولغتهم وخطابتهم تأثيرا بقي على مر السنين والأحداث، ولا يزال شعارا وسمة يعرفون بها على اختلاف المكان والزمان.
ومضات سريعة من حياته :
ولتصنع على عيني:.. ثم جئت على قدر يا موسى: هيأته القدرة الإلهية، وصنعته التربية الربانية:طيف من النور ألم بهذه الدنيا إلمام الغريب الطارئ،أو الضيف العابر،ثم تركها ومضى...ماذا يأخذ الطيف من الدنيا،أو ماذا يجمع لنفسه منها؟لا شيء!..وماذا يترك الطيف في هذه الدنيا حين يلم بها قدسيا من عالم القدس،نورانيا من عالم النور؟إنه يترك كل شيء حين يترك للضمائر نورها،وللنفوس قدسها وطهرها!! وهكذا حسن البنا،لم يأخذ لنفسه شيئا،وقد ترك للناس كل شيء..!
حسن أحمد عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: ولد حسن البنا في المحمودية بمصر عام 1906م، حفظ القرآن في سن مبكّرة، وكثيراً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأثر بشيخه محمد زهران صاحب مدرسة الرشاد الدينيّة، وتلقى الحصافيّة الشاذليّة عن عبد الوهاب الحصافي،
درس على أبيه العلوم الشرعيّة وأخذ عنه صناعة الساعات ويبدو أن مقومات الزعامة والقيادة كانت متوفرة لديه، ففي مدرسة الرشاد الإعدادية كان متميزًا بين زملائه، مرشحًا لمناصب القيادة بينهم، حتى أنه عندما تألفت "جمعية الأخلاق الأدبية" وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيسًا لمجلس إدارة هذه الجمعية.
غير أن تلك الجمعية المدرسية لم ترض فضول هذا الناشئ، وزملائه المتحمسين، فألفوا جمعية أخرى خارج نطاق مدرستهم، سموها "جمعية منع المحرمات" وكان نشاطها مستمدًا من اسمها، عاملاً على تحقيقه بكل الوسائل، وطريقتهم في ذلك هي إرسال الخطابات لكل من تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون الآثام، أو لا يحسنون أداء العبادات.
ثم تطورت الفكرة في رأسه بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور، فألف "الجمعية الحصافية الخيرية" التي زاولت عملها في حقلين مهمين هما :
الأول : نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات المنتشرة.
الثاني : مقاومة الإرساليات التبشيرية التي اتخذت من مصر موطنًا، تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب، وتعليم التطريز، وإيواء الطلبة.
بعد انتهائه من الدراسة في مدرسة المعلمين في دمنهور، انتقل إلى القاهرة، وانتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا، واشترك في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وكانت الجمعية الوحيدة الموجودة بالقاهرة في ذلك الوقت، وكان يواظب على سماع محاضراتها، كما كان يتتبع المواعظ الدينية التي كان يلقيها في المساجد حينذاك نخبة من العلماء العاملين.
أكمل دراسته في دار العلوم بالقاهرة بتفوّق سنة 1927 وكان على صلة بمحب الدين الخطيب، ويلتقي بجمهرة من العلماء الفضلاء في المكتبة السلفيّة أثناء تردده عليها.
وقد أثنى عليه الشيخ علي الطنطاوي عندما كان يتردّد على خاله مــــحب الدين الخطيب بالمطبعة السلفيّة بقوله : عرفته هادئ الطبع رضي الخلق صادق الإيمان، طليق اللسان آتاه الله قدرةً عجيبةً على الإقناع، وطاقةً نادرةً على توضيح الغامضات، وحل المعقّدات، والتوفيق بين المختلفين، ولم يكن ثرثاراً، بل كان يحسن الإصغاء كما يحسن الكلام، وطبع الله له المحبّة في قلوب الناس.
ويبدو أن فكرة الإخوان قد تبلورت في رأسه أول ما تبلورت وهو طالب بدار العلوم، فقد كتب موضوعًا إنشائيًا كان عنوانه : "ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج"؟!
فقال فيه : إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية - أمل خاص، وأمل عام. فالخاص : هو إسعاد أسرتي وقرابتي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
والعام : هو أن أكون مرشدًا معلمًا أقضي سحابة النهار في تعليم الأبناء، وأقضي ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.
كان خطيبا من الطراز الأول، وصف الشيخ علي الطنطاوي لقاءً خطب فيه الإمام البنا فقال: وهو في خطبته التي يلقيها كما تلقى الأحاديث بلا انفعال ظاهر، ولا حماسة بادية، من أبلغ من علا أعواد المنابر، تفعل خطبه في السامعين الأفاعيل وهو لا ينفعل، يبكيهم، ويضحكهم، ويقيمهم، ويقعدهم، وهو ساكن الجوارح، هادئ الصوت، يهز القلوب ولا يهتز. ذاكرة جبارة عجيبة مدهشة: كانت له ذاكرة غير مألوفة في قوتها، إذا سأل أخاً عن اسمه مرة وعن ابنه وأبيه وعمله ثم التقى به بعد أشهر طوال حيّاة باسمه وسأله عن والده فلان وابنه فلان، وكان ذلك مثار العجب عند الجميع.
ولو علمت عدد شعب الإخوان أيام حياته، ولكل شعبة مسؤول ثم هو بعد ذلك يعرف كل مسؤول عن كل شعبة، وهو الذي يعرّف الآخرين بهم لأذهلتك هذه الذاكرة الجبارة التي ما ضاقت يوماً عن اسم، أو غاب عنها حدث مهما طال به الزمن.
كانت هذه الذاكرة تواتيه بالوقائع على وجهها الصحيح إذا أراد مجادل أن يحاور أو يكابر فيرده إلى الواقعة بزمانها ومكانها وأفرادها وملابساتها، كأنما يقرأ من كتاب، بلا تحد ولا محاولة إحراج، ولكنه الإقناع المترفق حتى ليظن العائد إلى الحق انه هو الحق.
كما كانت هذه الذاكرة المتوقدة سبباً في إزالة الكثير من المشاكل بين الإخوان إذا ما رجعوا إليه، وإذا ما دعا الأمر إلى سرد أحداث معينة سردها كأنما تسمعها من شريط مسجل..! الكلمة التي سبقت وقتها: وتحدث الكاتب الأمريكي روبرت جاكسون عن الأمام حسن البنا بكلمات تتدفق بشعور يمتزج فيه الإعجاب والعجب بالحزن واللوعة والأسى، يقول: (هذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلاً بالكنز الذي يقع في يده.
إنه رجل لا ضريب له في هذا العصر.. لقد مرّ في تاريخ مصر مرور الطيف العابر الذي لا يتكرر. كان لابد أن يموت هذا الرجل – الذي صنع التاريخ وحوّل مجرى الطريق – شهيداً كما مات عمر وعلي والحسين. كان لابد أن يموت باكراً، فقد كان غريباً عن طبيعة المجتمع.. يبدو كأنه الكلمة التي سبقت وقتها، أو لم يأت وقتها بعد(. لقد ظهرت حركات إصلاحية كثيرة خلال هذا القرن.. في الهند ومصر والسودان وشمال أفريقيا.. وقد أحدثت هزات لا بأس بها، ولكنها لم تنتج آثاراً إيجابية ثابتة. اختفت هذه الدعوات، وبقيت عبارات على الألسن، وكلمات في بطون الكتب، حتى قُيض لها أن تبعث من جديد على يد الإمام حسن البنا، وان تستوفي شرائطها ومعالمها.
وأن تأخذ فترة الحضانة الكافية لنضجها. وأفاد الرجل من تجارب من سبقوه، ومن تاريخ جميع القادة والمفكرين والزعماء الذين حملوا لواء دعوة الإسلام..
مواقف ساحرة عجيبة :
1- باقة من الورود: يقول الأستاذ عمر التلمساني : " كان الإمام الشهيد يتحسس في رقة ودقة ما يرضي الإخوان في الحدود المشروعة ففي ذات يوم زاره الأخ الشاعر عمر الأميري أحد قادة الإخوان في سوريا ليستأذنه في السفر إلى الإسكندرية مع والده في القطار الذي يغادر القاهرة غداً في السابعة صباحاً , وذهب عمر الأميري مع والده ..وقبل أن يتحرك القطار بدقيقة أو دقيقتين إذ بعمر يرى الإمام الشهيد وهو يسرع الخطى على رصيف القطار , يحمل باقة من الورود الناضرة , يقدمها تحية لوالد عمر الأميري و وكان لهذا الموقف تأثير كبير في نفس الأميري الشاعر الكبير. .. كم نحن في حاجة إلى هذه الجماليات والذوقيات في ميدان التربية والدعوة..؟!!
2- يقول الأستاذ عمر التلمساني واصفا موقف حدث مع الإمام الشهيد بعد رحلة دعوية شاقة : .. وكان التعب والإجهاد قد بلغ مداه فأعترانى قلق وبعد خمس دقائق تقريبا سألني فضيلته : هل نمت يا عمر ؟ قلت : ليس بعد . ثم كرر السؤال فترة بعد فترة حتى ضقت بالأمر وقلت في نفسي : ألا يكفيني ما أنا فيه من إجهاد وقلق حتى تضاعف على المتاعب ؟ ألا تدعني أنام ؟ كان هذا حديثا صامتا يدور بيني وبين نفسي فصممت على ألا أرد على أسئلته موهما إياه أنني نمت . فلما أطمأن إلى نومي نزل من سريره في هدوء كامل وعند الباب أخذ (القبقاب ) بيده وسار حافيا حتى وصل إلى دورة المياه حيث توضأ وأخذ سجاده صغيرة وذهب إلى آخر الصالة بعيدا عن ا لغرفة التي ننام فيها .. وأخذ يصلى ما شاء الله له أن يصلى ونمت أنا ما شاء الله لي أن أنام . وصحوت وتبينت حقيقة الدرس العملي الصامت الذي مررت به ليلتي تلك .: مرشد :أتاه الله جلدا في طاعته .. فهو يخطب ويتحدث فإذا انصرف الناس ليستريحوا خلا إلى ربه مصليا ومتهجدا وهو قادر على ذلك بما وهبه الله من احتمال على مواصلة الطاعات ليل نهار .
ومريد : لم يشتد بعد عوده ولم يصبح ـ بعد ـ قادرا على مثل حال شيخه، وشيخ يعرف هذا في مريده فيشفق عليه، ولا يرضى أن يحرجه، طبعا لأنني إذا رأيته يقوم للتهجد لفعلت مثله ولو متحاملا على نفسي، والله يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، وفضيلته يطبق التربية القرآنية على مريده ،فيطمئن أولا على راحته ثم يؤدى ما يقدمه لربه تعبدا وتقربا . .. هذه هي التربية الواقعية والدرس العملي الذي يجب أن يعيش فيه كل من أخذ على عاتقه إصلاح من حوله . . .
يقول محمد الحسني الندوي:(إن سر نجاح الإمام الشهيد حسن البنا هو الحلم والصفح والغفران والعرفان بالجميل والأخوة الندية العذبة ،وأيم الله إنها الناحية الوحيدة التي فقدناها وفقدنا معها الخير كله والبركة كلها،كان العدو اللدود والخصم العنيد يأتي حسن البنا لا يريد به إلا شرا أو لا يضمر له إلا الكيد ثم يعود محبا مأخوذا بجمال إيمانه ونور وجهه وحسن سريرته) .
ـــــــــــــــــ
كاتب جزائري