15/10/2009

*حازم سعيد

جاءتنى خاطرة كتابة هذه المقالة بعد مشاهدتي لمجموعة من البرامج الفضائية حول موقف شيخ الأزهر طنطاوي من نقاب فتاة الإعدادي البريئة ، وكان القاسم المشترك فيها كتاب وصحفيون وحقوقيون وأساتذة جامعات من ذوى التوجه العلماني بالإضافة لنواب إخوان أو منقبات أو علماء دين ..

وكنت أعتزم الكتابة – كنوع من التوثيق - حول مخالفات شيخ الأزهر ـ طنطاوى ـ منذ تولى مشيخة الأزهر ، بداية بتحليل ربا البنوك ، ومروراً بتمزيق كلمة المسلمين في دخول رمضان والعيد  ، ومصافحته اليهود مدعياً بعدم علمه بجرائمهم ضمن أعاجيب أخرى على مدار السنين ، ختاماً بموقفه الأخير مع الزهرة الصغيرة التى أجبرها على خلع النقاب ثم امتهن كرامتها بتعبيره عن أنها قليلة الجمال وأنها قبيحة .. إلى آخره ، وما زلت متردداً في ذلك ..
 
ولكن أثارتني الحوارات حول موقفه ، ورأيت أن الكتابة أوجب حول سلوك المثقف العلماني الذي يستضاف للتعليق على أى قضية دينية ، وهو السلوك الذى أزعم أنه متناقض مع ما يدعيه من مبادئ الحرية والعدل والمساواة والانفتاح والنقاش العلمى .. إلى آخر هذه الكلمات التى يجيد العلمانيون إطلاقها دون استخدامها .. وأنا هنا فقط أرصد عدة سمات لسلوك المحاور العلمانى فى أى قضية تمس الدينى من قريب أو بعيد ( وسأستدل هنا ببرنامج العاشرة مساءاً والذي استضافت فيه مقدمته  نائباً للإخوان وسيدة منتقبة ومعهم الدكتور وحيد عبد المجيد ودكتور فى السياسة والاقتصاد وحافظ ابو سعدة الحقوقى المشهور ) ، ويا للعجب لما عند المثقف العلمانى من تناقضات ..
 
فهو أولاً : يستبعد النقاش على خلفية دينية ، بمعنى أنه لا يجوز لك أبداً وأنت تحاوره أن تستدل بالآية أو الحديث ، وذلك لأنه دائماً يحاول أن يهمش الدين ويحصره داخل المسجد ، فإذا رأى بتأويله – المنحرف في الغالب عن حقيقة النص الذى يؤوله – أنه يخدم فكرته إذا بأقوال مشايخ الدين والآيات والحديث تنهمر عليه ، كما فعل الكاتب الصحفى وأستاذ الجامعة حين أرادوا أن يلغوا النقاب فإذا بهم يستشهدون بكلام الشيخ الغزالي حول النقاب رغم وجود الألاف غيره من العلماء قالوا بغير قوله على مرور قرون الإسلام ، ولكنه الهوى ...
ومثلما فعلت مقدمة البرنامج نفسها حين أرادت أن تختم البرنامج – رغم إصرارها طوال الحلقة على عدم تناول الموضوع من زاويته الدينية ؟ ! – فإذا بها تختم البرنامج بكلمات لزقزوق من كتابه الشهير الذى طبعه لحرب المنقبات وتقرأ حديثاً عن التبسم فى وجه أخيك صدقة لتستدل بذلك على كشف وجه المرأة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
 
ثانياً : المثقف العلماني ينادى بحرية الرأي وحق الآخرون في الحياة والتعبير عن أنفسهم ... ولكن في إطار كل ما ليس بديني ، والديني الوحيد الذي ينادى فيه بحرية الرأي هو الهجوم على النبي صلى الله عليه وسلم أو السخرية من الرب الكريم سبحانه في روايات وقصص ، أو التعدي على ثوابت الأمة وعقيدتها ، وحين ينكر العقلاء هذه الانتهاكات في حق الله والرسول صلى الله عليه وسلم ترى العلماني يطالب بحرية الإبداع ، ويرفع عقيرته بالتنديد بالظلاميين الذين يقهرون الفن ويطفئون النور ...
التناقض تراه حين يأتي الأمر لحق تواجد المتدين في الحياة وحق المنقبة أو الملتحى فى تولى الوظائف أو المناصب تجد المثقف العلمانى الذى هو نفسه كان يدافع عن حق الأديب فى شتم الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم .. تجده هو ذاته الذى يهاجم وجود – مجرد وجود -  المنقبة أو الملتحى أو تبوأهم مناصب هم أحق بها لتفوقهم مثلاً بالجامعة .. بل ويلوى عنق المنطق والعقل ليبرر أن النقاب هذا يعكس ثقافة وبالتالى هى محاولة لفرض سيطرة هذه الثقافة ، وبهذه الطريقة – مجرد تفوقك العلمى المحض ومطالبتك بأن يتم تعيينك فى الجامعة وفق قانون الجامعة الذى يقيس ذلك بالتفوق العلمى وفقط – بهذه الطريقة تصبح ذو أجندة ومخطط تحاول به أن تفرض ثقافة ما .
تصور .. تجده يبرر أنك لا يحق لك مع أنك الأول على دفعتك فى أن يتم تعيينك بالجامعة بلا منطق ، وفى تناقض عجيب ..
أتساءل هنا : هل يصدق هؤلاء الناس أنفسهم حقيقة ؟ ! وهل يشاهدون أنفسهم وهم يلوون عنق الحقيقة بهذه الطريقة الفجة الممجوجة ؟!
 
ثالثاً : المثقف العلمانى يدعى أنه منفتح وأنه يقبل بالرأى الآخر وأن صدره واسع لمن يختلف معه بالرأى ، ثم إذا حاورته إذا به يوجه للدينى وللمتدين كميات من السباب تتناقض أولا ًوآخراً مع ما يدعيه من الثقافة والانفتاح ، فالحجاب مثلاُ عنده خيمة .. هكذا بما تحمله من معانى للسخرية ، وإذا تحدثت عن حقك فى الحياة والتواجد اتهمك مباشرة بأنك ذو أجندة وأنك تشترك فى مؤامرة لفرض النقاب أو اللحية  .. فأنت متآمر ..
 
 
رابعاً : المثقف العلمانى يطالبك دائماً بالدليل العلمى حين تحدثه فى قضية تستدل فيها بقال الله أو بقال الرسول ، وكلاهما فى رأى المتدين دليل قاطع لأنه يصدر من الحكيم الخبير ..
فإذا ما حدثته بقال الله والرسول ، رفضك وطالبك بالدليل العلمى المبنى على الشواهد والتحقيق ، وحدثك عن منهج البحث العلمى وأنه مرتبط بشواهد واستدلالات واستنتاجات مبينة على أدلة .. الخ الخ .
ثم هو يورط نفسه فى تناقض مريب حين يأتى لقضية النقاب وانظر لهذا المثال الذى ضربه دكتور السياسة والاقتصاد .. فهو يحدثك عن أن ثلاثة طالبات متفوقات – على وش تعيين فى الجامعة بنص قوله – فجأة ارتدين النقاب ، وذلك دليل على أن جهة ما وراء هذا الأمر ، وهو لهذا يرفض تعيينهن بالجامعة رغم أنهن أوائل دفعاتهن .. لمجرد ارتدائهن النقاب في توقيت واحد .. !!!! .. واستخدم هذا الكلام لتوضيح نظرية المؤامرة التى تشكلت لديه عن أن هناك جهة ما ؟! أثرت على هؤلاء الطالبات ؟! وخططت مؤامرة لفرض النقاب ؟! وإيجاده بمجتمع الجامعة ؟! وأنه لهذا ضد تعيين المنقبات المتفوقات أوائل دفعاتهن بالجامعة ؟! لأنها مؤامرة ؟؟؟؟؟؟؟؟
أين المؤامرة ؟ وأين الجهة التى تآمرت ؟ وما دليل وجودها ؟ وأين شواهد وجودها وتآمرها ؟ أين الجريمة ؟ وأين دليلها ؟ أن هناك ثلاثة منقبات متفوقات انتقبن في توقيت واحد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كلها أسئلة لا يشغل المثقف العلمانى نفسه بالإجابة عليها ؟ لأنه يطلق تهويمات وكلمات لم يشغل باله أصلاً أن يفكر فيها ؟ أين المنهج العلمى وأين البحث العلمى وأين وأين ؟ لا جواب لدى المثقف العلمانى .
 
خامساً : المثقف العلماني حين تعترض على كاتب كل روايته إيماءات وإيحاءات بشتم الله سبحانه -  تعالى علواً كبيراً عما يقولون – حين فقط تعترض يحدثك عن الرمى بالظنون وعن عدم إلقاء الأحكام على الناس بهذه الطريقة وأنك لا ينبغى أن تفتش فى نفوس الناس و .. و .. و ..
تمام .. تعالى إلى قضية النقاب ، هو أول من أطلق عليها متآمرة ، وهو الذى قال أنها تلبس النقاب لتتستر على جريمة ما ، وماذا نقول حول المنقبة التى تتستر فى النقاب لتسرق الأطفال من الشوارع !! .. لا عقل ولا منطق ولا دليل ولا تثبت فى إطلاق الأحكام كما كان يطالبك حين شتم الله سبحانه .
 
سادساً : المثقف العلمانى يجيد تفسير الأحداث على مزاجه ووفق هواه ، ويحسن التحريف والتأويل وقلب المرآة ويحرف الصورة ليريك المقلوب معدولاً والمعدول مقلوباً .. تخيل أنه يرى النقاب ضد حقوق الإنسان ؟
نعم فعل ذلك مختص حقوق الإنسان .. الذى بدلاً من أن يدافع عن حق المرأة فى أن ترتدى ما تشاء – وفق منطق منظمات حقوق الإنسان -  حيث لا تتعدى بتغطيتها لنفسها على أحد .. تخيل أنه جعلها منتهكة لحقوق الإنسان ؟
كيف ذلك .. لأنها بنقابها هى شريكة فى مؤامرة على المرأة المصرية بعزلها عن المجتمع وبالتالي فرض البيئة الظلامية القهرية الانهزامية للمرأة وتحجيمها لتصبح حريماً بالبيوت وبالتالى هى مؤامرة تهميش وإقصاء للمرأة فهى ضد حقوق الإنسان ؟؟؟؟؟؟؟؟!
أتعجب حين أرى مهارتهم فى التلون والتناقض ومخالفة ما يدعون إليه من نظريات ...
أرى أنى اكتفيت من هؤلاء القوم ، ولم أحصى سماتهم .. ولكنها خاطرة .. وأختم بقول الله الكريم سبحانه حيث أرى الآية الكريمة أمامى هاهنا – رغم معرفتي بأنها أنزلت فى الكافرين وليست فى هؤلاء – " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً " ... صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم وأنا على ذلك من المؤمنين الشاهدين .. الحمد لله الذى جعلنى إسلامياً متديناً أحب الله والرسول وأبغض اللادينية والإلحاد .
 
ـــــــــــــــــــــــــــ
 
كاتب مصري