بقلم : أحمد أبوحمزة

سمع بمآسي المعتقلين، أثقلته أحزانه كما تثقله كل ليله، قرر أن يقوم ليصلي ويدعو ربه ليطلف بهم.
بدأ حديثاً مع نفسه عنيفاً.
- أنت بتعمل إيه؟!
= أصلي، وأدعو ربي ليفرّج عن الأسرى.
- وده منطق يعني؟! مش الناس دي اعتقلت علشان بتنصر دينها وربها؟! فـ "المفروض" يعني أن الله يمنع عنهم الظلم والألم.. ولو لم يفعل فصفقة هؤلاء خاسرة ورهانهم على ربهم خاسر.
= هذا منطق سقيم في فهم تصور علاقة الله بعباده وسننه في كونه، فالإيمان لا يعني السلامة والنصر دوماً.
بل لابد من امتحان واختبار لصدق التوجه وحقيقة الدعوى، فيتميّز المؤمن من الدعيّ، وتظهر حقائق معادن الرجال، كما أن البلاء يُصحح الوجهة ويكشف للمؤمنين أخطائهم ليعرفوها ويعالجوها فيعيدوا الكرّة بعد تصحيح للتصورات وتقويم للأفكار وتصويب للمسار.
كما أن الإيمان وحده لا يقتضي حصول النصر، بل لابد أن تتحقق سنن أخرى لازمة، وعدم تحققها يعني أن النصر لم يحن موعده بعد.
ولو قصم الله كل ظالم قصما معجزا، ولو نجّى كل مؤمن نجاة خارقة لقوانين الدنيا ونواميسها لما كان هناك معنى للدنيا وللحياة.
ما يعانيه أهل الحق هي طريق للإعداد والتمحيص والتنقية والعلاج، وسبيل لرفعة الدرجات وإعلان لصدق إيمانهم واستحقاقهم للنعيم المقيم.
- يا راجل؟! أي رب هذا الذي يجعل طريق الوصول إليه مليء بالمآسي والمعاناة والآلام؟! لو كنت ربّا لهؤلاء لحفظتهم وما جعلت أحداً في هذا الكون يمسّهم أو يقترب منهم.
= هذا لقصور عقلك وخفته، أرأيت لو أن لك شركة وهناك عامل يغيب وينام طول الشهر ثم يأتي ليقبض راتبه، هل تعطيه؟!
تلك الآلام وهذه المعاناة هي تكاليف طريق الوصول لأي نجاح، الطالب يسهر ليالي وأياما لينجح، وكذا كل طالب حاجة يكابد لأجلها.
وكلما عظم الطلب عظمت التضحية، وهؤلاء يطلبون "الجنة"، وكل تضيحة في سبيلها هيّنة.
- ماشي.. فليهنأ هؤلاء بمآسيهم وجنتهم.. فعبدالفتاح السيسي مكمل سنين، وهؤلاء سيموتون في السجون، كل الشواهد يقول ألا نجاة لهم.
= الله لا يدير الكون بتصورات البشر وأمانيهم، بل بقوانينه وسننه الإلهية.
اسمع..
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
شايف.. هو الذي أخرج؟!
وشايف.. ما ظننتم -أيها المؤمنون- أن يخرجوا؟!
وشايف.. وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله؟!
وشايف.. من حيث لم يحتسبوا؟!
أعرف أقواما لم يكونوا يظنّوا للحظة أن يسقط مبارك.
وأعرف إخوانا ما تصوروا للحظة أن يصير الحال إلى حيث صار.
وقد سقط مبارك.
وقد تبدل الحال.
لله في كونه تدبير.. عجزك عن تصوره ومشاهدة آثاره لا ينفي وجوده، وستراه يوم يكتمل.
سيسقط المجرم يقيناً، هذا وعد الله في كل ظالم، وسيسقط بأسباب منطقية يهيأها الله لا بخوارق، فهذه سنة الله.
قد تطول المدة وقد تقصر.. لكن الوعد سيظل ثابت لا يتبدل.. فطموح المؤمنين للجنة لا يعني هروبهم من واقع الدنيا ومعاركها.
سينتصر المؤمنون.