يواصل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي حديثه عن ترشيد الاستهلاك، والصبر، وبكرة تشوفوا مصر، وكان آخرها ما ذكره، قبل أيام، أثناء افتتاحه لمشروع "مستقبل مصر" للإنتاج الزراعي.
فقد انتقد السيسي اعتراض المواطنين على الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وضرب المثال بحصار أبي طالب قائلًا إن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) "حُوصر في شعب أبي طالب مع صحابته 3 أعوام، وقطع عنهم الطعام والشراب لدرجة أنهم أكلوا ورق الشجر".
باحث سياسي في مركز الدراسات السياسية يقول: "إن المصريين سئموا من وعود تحسين المعيشة، فالأزمات تزيد والأسعار ترتفع والأوضاع من سيّئ لأسوأ بالرغم من صبرهم على سياسات الحكومة وفرض المزيد من الضرائب في ظل انخفاض قيمة الجنيه وتخفيض الدعم، وتضاعف الديون الداخلية والخارجية".
ويشير الباحث، في تصريحات صحافية، إلى أن هناك استفزازًا للمواطن عندما يطلب منه ترشيد استهلاكه ويتم استيراد طائرات رئاسية فخمة آخرها الطائرة العملاقة من طراز "بوينغ" توصف بـ"المدينة الطائرة" لضخامة حجمها وفخامتها، والتي دخلت الأسطول الجوي المصري مؤخرًا، في صفقة بلغت قيمتها 418 مليون دولار.
ذكر موقع "سكرامبل"، المتخصص في الطائرات، إن مشتريًا مجهولًا قدم لشركة "لوفتهانزا" الألمانية، المالكة للطائرة، عرضًا لشرائها في شهر مارس 2021 وظلّ المشتري مجهولًا حتى منتصف سبتمبر الماضي، حين أعلن الموقع أنها الحكومة المصرية.
يستكمل الباحث من حق المواطن قبل أن يأكل ورق شجر معرفة لماذا لم تتقشف الحكومة في بناء القصور الرئاسية، حيث تم نشر العديد من الصور لقصر جمهوري يُبنى بالعاصمة الإدارية
يصل إجمالي مساحته إلى مليونين و550 ألف متر مربع، وطبقًا لخبراء عقاريين تصل التكلفة إلى 25 ألف جنيه للمتر المربع، ما يعني أن تكلفة الطابق الواحد في القصر الجديد تقدر بنحو مليار و250 مليون جنيه على الأقل.
وكيف يتقبل المواطن واقعه المتأزم ويأكل ورق الشجر و"إننا فقرا أوي" كما قال الرئيس، بينما يسمع عن مليارات يتم إنفاقها على بناء عاصمة إدارية لن تفيده ولن يعيش فيها وبسببها ساءت أوضاعه المعيشية.
أليس من حق المواطن أن يعرف التكلفة الحقيقية لأبنية العاصمة الإدارية التي كبلت الأجيال القادمة بديون لا حصر لها.
تكلفة بناء العاصمة الإدارية
ولِمَ كل هذه المباني العملاقة؟ فهي مؤشر على "الإفراط والتفريط"، أليس من الأولى توفير هذه الأموال لرفع مستوى معيشة المواطن الفقير؟
تحدث أحد المصادر المسئولة في جهاز العاصمة عن حجم الإنفاق للوصول إلى أرقام ثابتة لتكلفة المباني الحكومية. يقول المصدر إن هذه التكاليف ليست من موازنة الدولة وتم تدبيرها دون أن يصرِّح عن كيفية تدبير تلك النفقات أو قيمتها.
وبسؤاله كيف أن التكاليف خارج الموازنة العامة، وهناك 51% من شركة العاصمة الإدارية مملوكة للقوات المسلحة (جهاز الأراضي وجهاز الخدمة الوطنية) و49% لهيئة المجتمعات العمرانية، أي أن المال ليس خاصًا بل مال عام بإدارة موظفي الدولة؟! اكتفى بالقول إن التكاليف بعضها مُعلن بشفافية من جانب المسئولين الحكوميين.
تكلفة بالمليارات وتصريحات متضاربة
بحسب وكالة رويترز للأنباء تبلغ تكلفة إنشاء العاصمة الإدارية بالكامل حوالي 58 مليار دولار، بينما أعلنت الحكومة المصرية أن استثمارات المرحلة الأولى بالعاصمة الإدارية الجديدة والتي تقع على بعد 45 كيلومترًا من وسط القاهرة تصل إلى 45 مليار دولار، في المشروع ذي التصميم حديث الطراز على غرار مشاريع مدينة دبي.
وتقول شركة العاصمة الإدارية إن التكلفة الإجمالية بعيدة عن ميزانية الدولة التي لم تتحمل شيئًا في بنائها، بحسب تصريحات اللواء أحمد زكي عابدين، رئيس شركة العاصمة الإدارية، مشيرًا إلى أن الشركة تعتمد على إيراداتها من حصيلة بيع الأراضي بالمشروع للمستثمرين لتمويل تكاليف الإنشاءات.
رسميًا تم الإعلان عن أن تكلفة المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة 200 مليار جنيه، بينما صرح المهندس خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، بأن حجم الإنفاق داخل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة حتى مارس 2021 بلغ من 400 مليار إلى 500 مليار جنيه.
مليارا جنيه مصري لمقر وزارة الدفاع (الأوكتاجون)
يقع المشروع على مساحة إجمالية 22 ألف فدان، تقدر بـ189 ألف متر مربع، بينما تقدر المساحة الفعلية للمباني بـ45 ألف متر مربع
وتعني الأوكتاجون باللغة اللاتينية ثماني الأضلاع؛ لأن التصميم يضم 8 مبانٍ مثمنة الأوجه على الطراز الفرعوني متراصة على شكل دائرة تضم المباني الإدارية.
بينما هناك مبنيان وزاريان مركزيان يقعان في مركز الدائرة ويتصلان ببعضهما البعض وبباقي المباني الثمانية الخارجية بممرات طولية، وعدد هذه المباني مساوٍ لعدد أفرع الجيش المصري.
يضم المقر 13 منطقة، لكل منها دورها الخاص، ما يجعله أكبر مقر دفاعي في العالم.
وتضم منطقة المقر أماكن عبادة ونوادي وفنادق ومدارس وملاعب ومشاريع سكنية ومراكز تسوق ومستشفيات ومجمعات للخدمات المدنية والإدارية، كما أن المكان مؤمَّن بوحدتين من الحرس الجمهوري، ووسائل أمنية أخرى.
وقدّر خبراء عقاريون تكلفة إنشاء مقر وزارة الدفاع (الأوكتاجون) بحدود ملياري جنيه مصري.
وقالت مجلة (the drive) الأمريكية في مقال بعنوان: "وزارة الدفاع المصرية الجديدة (أوكتاجون)" إن "حجم المنطقة العسكرية الجديدة عمومًا ومدى تفصيلها أمر محير إلى حد ما، ولا يوجد تقدير لتكلفة ذلك، ولكن يكفي أن نقول إن ذلك أبعد ما يكون عن الرخيص".
الحي الحكومي يتعدى 55 مليار جنيه
يضم الحي الحكومي 34 مبنى تمثل الوزارات المختلفة بقطاعاتها التابعة عدا وزارتي الدفاع والداخلية، كما يعد مبنى مجلس الوزراء البوابة الرئيسة للحي، ويضم 10 مجمعات تم تصميمها على الطراز الإسلامي والبعض الآخر الطراز الفرعوني.
وتبلغ مساحة كل مجمع داخل الحي 170 ألف متر مربع، بإجمالي 1.5 مليون متر، بما يعادل 360 فدانًا، وتحتل المباني مساحة 28% فقط من المساحة، بينما تم تخصيص الباقي لإقامة مسطحات خضراء.
يقع مبنى وزارة الخارجية يمين مجلس الوزراء في المجمع الأول، ومن خلفها مجمع يضم 5 وزارات هي: الثقافة والسياحة والآثار والاتصالات والتخطيط والإصلاح الإداري والطيران المدني.
مجمع ثالث يضم 6 وزارات، هي: قطاع الأعمال والتموين والتجارة الخارجية والتجارة والصناعة والقوى العاملة والهجرة والاستثمار والتعاون الدولي.
المجمع الرابع توجد به وزارات الإسكان والتضامن الاجتماعي والإعلام والهيئات الإعلامية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
المجمع الخامس يقع يمين مجلس الوزراء يضم وزارات الأوقاف والتعليم العالي والتربية والتعليم والهيئة الاقتصادية لقناة السويس ومبنى شركة العاصمة.
مجمع سادس من الناحية اليسرى توجد به وزارات الكهرباء والطاقة والبترول والثروة المعدنية والإنتاج الحربي بجانب مبنى خدمة الموظفين، وهناك مجمع سابع يضم وزارات المالية والبيئة والتنمية المحلية.
المجمع الثامن على الجهة اليسرى يضم وزارة العدل، وخلفها مجمع تاسع يضم وزارتي الري والموارد المائية والزراعة والجهات التابعة لمجلس الوزراء ومبنى خدمات الموظفين والشرطة المتخصصة.
في المجمع العاشر تقع 4 وزارات هي: النقل والصحة وهيئة التأمين الصحي والشباب والرياضة والمجالس النيابية.
ووصلت تكلفة إنشاء الحي الحكومي حتى الآن إلى ما يقرب من 60 مليار جنيه، بحسب ما أعلن اللواء أحمد زكي عابدين رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة، وهناك احتمالية لأن يرتفع الرقم في ظل استمرار أعمال الإنشاءات في الحي.
مبنى البرلمان يتكلف 5 مليارات جنيه
يقع مجلس النواب المجاور للحي الحكومي على مساحة 25.87 فدان، والمبنى مقام على مساحة تصل لنحو 109 آلاف متر مربع، ويتكون من بدروم وأرضي وثمانية أدوار متكررة بارتفاع 65 مترًا، ويحتوي على قاعة رئيسة تتسع لـ 1000 عضو.
الصور المتداولة للمبنى كانت مثارًا للسخرية والنقد، بأن يكون بتلك الفخامة والثراء لكي يضع نوابه قوانين لا تصبُّ في صالح المواطن، بينما يجتمعون في مكان يتحملون تكلفته.
وبحسب تقديرات غير رسمية بلغت تكلفة إنشاء المبنى خمسة مليارات جنيه.
برج أيقوني بتكلفة تصل إلى 60 مليار جنيه
مبنى سكني إداري فندقي في العاصمة الإدارية يعتبر أعلى برج في إفريقيا كونه يتكون من 79 طابقًا بارتفاع 385 مترًا، وتم تقسيم البرج إلى عدة أجزاء منها جزء إداري وآخر خاص بالبنك المركزي ومطبعة مركزية خاصة بالنقود، كما أنه سيضم أجزاء سكنية وفنادق فاخرة في الطوابق الأخيرة، وقد تم استُوحي الشكل العام الخارجي للبرج من الحضارة المصرية القديمة.
وبلغت التكلفة الإجمالية للبرج، بحسب ما أعلنت الشركة الصينية المنفذة له 3 مليارات دولار.
الحي المالي تصل تكلفته إلى 3.4 مليار دولار
صُمم الحي ليكون المركز المالي للعاصمة الإدارية، وكذلك ليكون مقرًا إقليميًا لكبرى الشركات والبنوك المصرية والعالمية، ويقع الحي غرب الطريق الدائري الإقليمي بين محوري محمد بن زايد الشمالي والجنوبي، على مساحة حوالي 1703 كم، يضم الحي في مرحلته الأولى 18 برجًا بارتفاعات تتراوح بين 100 و400 متر، تنوع بين 10 أبراج للنشاط الإداري، 5 أبراج بنشاط سكني، و3 أبراج بنشاط مختلط، أهمها البرج الأيقوني.
وتبلغ تكلفة إنشاء الحي بحسب بيانات رسمية ملياري جنيه، بينما ذكرت تقديرات غير رسمية أن التكلفة الإجمالية قد تصل إلى 3.4 مليار دولار.
فندق الماسة يتجاوز مليار جنيه
لم تعلن أي جهة رسمية عن رقم محدد لتكاليف فندق الماسة الذي تم إنشاؤه في 31 شهرًا على مساحة أكثر من 10 أفدنة في العاصمة الإدارية الجديدة، لكن جريدة البورصة نشرت في أكتوبر 2016 نقلًا عن "مصادر حكومية" أن تكلفة الفندق بين 700-900 مليون جنيه قبل التعويم، ويتوقع أن يتجاوز المليار جنيه.
أحد الاستشاريين بالمشروع قال إن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تعاقدت مع شركة أوراسكوم كونستراكشن لتنفيذ أعمال الخرسانة في الفندق، ولا يعلم الاستشاري إذا كانت تكلفة الفندق من ميزانية القوات المسلحة، أم من ميزانية العاصمة الإدارية؟ لكن اللافت هو استغرابه عندما تساءل: هل هناك فرق أليس كلها أموال حكومية؟!