اليوم، الأربعاء 31 ديسمبر 2025، تمر تسع سنوات على واحدة من أكثر قضايا الإخفاء القسري قسوة في تاريخ مصر الحديث، قضية الطفل السيناوي عبد الله بومدين نصر الله عماشة، الذي سُلبت طفولته، واختُطف مستقبله، وغُيّب عن أسرته منذ أن كان طفلًا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.

 

اقتحام فجري وطفولة مسروقة

 

في مثل هذا اليوم من عام 2017، اقتحمت قوات الأمن منزل أسرة عبد الله بمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء. لم يكن المشهد استثنائيًا في سياق الحملة الأمنية التي تشهدها المنطقة، لكن ما جرى كان صادمًا في تفاصيله: اعتقال طفل قاصر، دون إذن قضائي، ودون توجيه اتهامات واضحة، ودون مراعاة لأبسط الضمانات القانونية والإنسانية.

 

عبد الله، المولود في 12 ديسمبر 2005، وجد نفسه فجأة داخل سيارة أمنية، ثم داخل زنزانة، بدلًا من مقعد دراسي ودفتر وحقائب مدرسية. طفل لم يكن يدرك معنى ما يُنسب إليه من “اتهامات”، ولا سبب فصله القسري عن أسرته وبيئته الطبيعية.

 

احتجاز وانتهاكات متواصلة

 

وفقًا لشهادات حقوقية، تعرّض عبد الله لفترة احتجاز انفرادي استمرت قرابة ستة أشهر، في انتهاك صارخ لقانون الطفل المصري الذي يحظر حبس الأطفال احتياطيًا في أماكن غير مخصصة لهم، فضلًا عن مخالفة المعايير الدولية الخاصة بحماية الأطفال في النزاعات والأوضاع الأمنية الاستثنائية.

 

وبعد تلك الفترة، انقطع الاتصال به تمامًا، لتبدأ مرحلة الإخفاء القسري، حيث لم تُخطر أسرته بمكان احتجازه، ولم يُعرض على جهة قضائية بشكل قانوني، ولم يُسمح له بالتواصل مع محامٍ أو مع ذويه. سنوات طويلة مرّت دون أي معلومة رسمية مؤكدة عن مصيره، في مشهد يعكس أقسى صور التجريد من الإنسانية.

 

مخالفة للدستور والقانون والمواثيق الدولية

 

ما تعرّض له عبد الله بومدين يُعد جريمة مكتملة الأركان، لا تسقط بالتقادم، إذ تنتهك المادة (54) من الدستور التي تجرّم القبض أو الحبس دون أمر قضائي، كما تخالف قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته، الذي يكفل حماية خاصة للأطفال من أي شكل من أشكال العنف أو الاحتجاز التعسفي.

 

كذلك تمثل القضية خرقًا واضحًا لاتفاقية حقوق الطفل التي وقّعت عليها مصر، والتي تلزم الدول الأطراف بعدم حرمان أي طفل من حريته تعسفًا، وبضمان معاملته بما يحفظ كرامته الإنسانية ويصون حقه في التواصل مع أسرته.

 

صمت رسمي وتواطؤ مؤسسي

 

رغم جسامة الانتهاكات، لم تشهد القضية أي تحرك جاد من الجهات الرسمية المعنية بحماية الطفولة، وعلى رأسها المجلس القومي للطفولة والأمومة أو المجلس القومي لحقوق الإنسان. هذا الصمت، الذي استمر لسنوات، حوّل الجريمة من واقعة فردية إلى سياسة ممنهجة، ورسّخ مفهوم الإفلات من العقاب.

 

ويرى حقوقيون أن استمرار إخفاء عبد الله دون محاسبة المسؤولين يشكل رسالة خطيرة مفادها أن الأطفال في مناطق النزاع أو العمليات الأمنية يمكن أن يصبحوا أهدافًا سهلة، بلا حماية قانونية حقيقية.

 

مطالب عاجلة ومسؤولية لا تسقط

 

وبمناسبة مرور هذه السنوات الطويلة على اختفاء عبد الله بومدين، تجدد الشبكة المصرية والمنظمات الحقوقية مطالبتها العاجلة للنائب العام بالكشف الفوري عن مصيره، وتحديد مكان احتجازه إن كان لا يزال على قيد الحياة، وتحميل المسؤولية القانونية لكل من تورط في اعتقاله وإخفائه، سواء بالفعل أو بالصمت.

 

كما تطالب بالإفراج الفوري عنه، وتمكينه من العودة إلى أسرته، وتعويضه نفسيًا واجتماعيًا عن سنوات الطفولة التي سُرقت منه خلف الجدران المغلقة.