عامر عبد المنعم
صحفي وكاتب مصري
يواجه المسلمون في الولايات المتحدة حربًا غير معهودة مع اليمين الأمريكي الذي يبحث عن طريق للهروب من صراعاته الداخلية بإثارة المشاعر الصليبية ضد الإسلام، فانتقلت الكراهية من التحريض والاتهامات التي اعتادوا عليها إلى اتخاذ قرارات وأوامر تنفيذية لاضطهاد الأقلية التي لا تزيد نسبتها عن 1.3% من إجمالي السكان الذين يصل عددهم إلى 350 مليون نسمة، والسعي لإغلاق مؤسساتهم ومصادرة ممتلكاتهم.
تطورت المواجهة الجديدة بقرار من حاكم تكساس الإنجيلي غريغ أبوت الذي أعلن الأسبوع الماضي أن جماعة “الإخوان المسلمون” ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) منظمتان أجنبيتان إرهابيتان وإجراميتان عابرتان للحدود، ثم تبعه الرئيس الأمريكي ترامب بإصدار أمر تنفيذي بوضع فروع لجماعة الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية، واتهامها بتهديد أمن مواطني الولايات المتحدة.
في كلا القرارين تأكيد على مصادرة الممتلكات والإغلاق، فحاكم تكساس قرر “منعهم من شراء أو حيازة الأراضي، وأمر المدعي العام باتخاذ الإجراءات لإغلاق المؤسسات”، وفي الأمر التنفيذي لترامب طلب من وزير الخارجية ووزير الخزانة وآخرين “اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة بتصنيف أي فروع أو أقسام أخرى لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية أجنبية”.
من جهته انتهز مجرم الحرب نتنياهو الفرصة ورحب بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، واعتبرها خطوة جيدة من الإجراءات الصارمة التي تتخذها واشنطن ضد التنظيم الإسلامي الذي يتهمه بالتحريض على التطرف وتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط.
اللوبي الصهيوني هو المحرك
ما فعله الرئيس الأمريكي يأتي استجابة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي يضغط منذ شهور في الكونغرس لإصدار القوانين لشيطنة “الإخوان”، وربط الجماعة بما يجري من احتجاجات واسعة في المدن الأمريكية ضد الحرب في غزة، ودعمها لحركة التضامن مع الفلسطينيين، ورغم أن هذه المحاولات لم تحظ بالتأييد من قبل، فإن تحرك حاكم تكساس الذي يعد من أبرز قادة اليمين الإنجيلي شجع ترامب على إصدار الأمر التنفيذي.
منذ طوفان الأقصى لم يتوقف التكساسي غريغ أبوت المتعصب لـ”إسرائيل” عن التحريض على المتضامنين مع فلسطين واتهامهم بمعاداة السامية، وقام بقمع الاحتجاجات الطلابية بعنف مفرط، واستخدم الحرس الوطني لإخماد التظاهرات في مدن الولاية، واعتقل العشرات، وبادر في ثلاث محاولات لسن قوانين لتجريم من ينتقد إسرائيل، ولكن المحاكم رفضت مقترحاته لمعارضتها للدستور، لكنه لم ييأس حتى اتخذ قراره ضد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، وهو منظمة أمريكية مشهورة، وربطها بالإخوان زاعمًا أن المسلمين الذين يمثلون 1.1% من سكان تكساس البالغ 30 مليون نسمة يريدون فرض الشريعة الإسلامية على الولاية!
المسلمون الأمريكيون يرفضون ربطهم بمنظمات خارجية
رفض مجلس (كير) عبر فرعه في تكساس الاتهام بالإرهاب، ووصف إعلان حاكم الولاية بأنه “افتراء وغير قانوني وينطوي على تحريض ضد المسلمين الأمريكيين”، وأكد المجلس الذي له 32 فرعًا ومكتبًا إقليميًا في الولايات المتحدة أنه “مؤسسة متخصصة في الدفاع عن حقوق المسلمين الأمريكيين، ومناهضة التمييز العنصري والديني، ويعمل على تحسين صورة الإسلام في المجتمع الأمريكي بتشجيع الحوار وبناء الثقة المتبادلة مع المؤسسات الأمريكية، ونشر قيم العدالة”.
في رسالة إلى حاكم تكساس أكد روبرت مكاو، مدير الشؤون الحكومية في (كير)، أن المجلس “منظمة أمريكية مستقلة غير ربحية، تعمل وفقًا للقوانين الفيدرالية والولائية والمحلية، وليس عضوًا أو فرعًا أو تابعًا لأي منظمة أجنبية”، وأشار إلى أن “السبب الحقيقي وراء استهداف جماعات الكراهية المعادية للمسلمين وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل بشكل مهووس لمنظمة كير وغيرها من المؤسسات الإسلامية الأمريكية هو دفاعنا الثابت عن حقوق الفلسطينيين”.
أثار قرار تكساس غضب جماعات الحقوق المدنية مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية في تكساس، ومجموعات سياسية مثل الحزب الديمقراطي في تكساس، و27 نائبًا في الولاية، وأعضاء في الكونغرس، وأصدروا بيانات تندد باستهداف المسلمين ومراكزهم ومؤسساتهم، وتم الطعن على القرار المخالف للدستور الأمريكي.
قرار ترامب يفتح الباب للاضطهاد الديني
ركز الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب على الإخوان في الشرق الأوسط، خاصة مصر والأردن ولبنان، وأشار إلى دورهم في دعم حماس وحزب الله، ولكنه لم يقدم أي معلومات تؤكد الاتهام بتهديد الولايات المتحدة. ويختلف قرار الرئيس الأمريكي عن قرار حاكم تكساس في أنه لم يتهم (كير)، لكنه يفتح الباب لاستخدام فزاعة الإخوان لشيطنة أي شخص أو كيان للمسلمين في الولايات المتحدة بتهمة دعم حماس أو الإخوان!
يوفر قرار ترامب مظلة ومشروعية لأي إجراءات حكومية ضد المسلمين، خاصة في إطار ما يجري في الداخل الأمريكي من مطاردة لفئات وأعراق مختلفة بمزاعم التمرد وغزو المهاجرين، وفي ظل عسكرة المدن ونشر قوات الجيش في الشوارع، ولكن ما يجري مع المسلمين هو الأول من نوعه، لأن المواجهة مع مواطنين أمريكيين بسبب دينهم، وليس جماعات متهمة بمخالفة قوانين الإقامة أو عصابات إجرامية كما يزعم البيت الأبيض!
ربما يفكر ترامب ومعاونوه من الإنجيليين في الهروب من الفضائح المتعلقة بوثائق “إبستين” والتصدع الذي تعاني منه حركة “ماجا” بإشعال حرب دينية لتوحيد اليمين الأمريكي الذي يتمزق، سواء في الخارج لنصرة المسيحيين في نيجيريا، أو في الداخل ضد المسلمين الذين يريدون تطبيق الشريعة على الأمريكيين حسب مزاعمهم.
تؤكد التطورات على الساحة الأمريكية أن محاولات عزل المسلمين واضطهادهم مصيرها الفشل، فأغلبية الأمريكيين من كل الأديان والطوائف والأعراق الآن يصطفون ضد “حركة ماجا” التي تظهر العداء للجميع، وتخطط لمصادرة الديمقراطية والانقلاب على الدستور الأمريكي، وكان فوز المسلم زهران ممداني رغم الحملات المضادة دليلًا على أن الأقلية الإنجيلية البيضاء هي التي عزلت نفسها.

