محمد طلبة

رضوان كاتب صحافي

 

كانت ما تُسمّى انتخابات مجلس النواب المصري حدثًا لا يتابعه أحد، ولا يلفت إليه النظر سوى فيديو لأحد المرشّحين يعتلي حصانًا ويمتشق سيفًا ويشهره في وجه الناخبين، بينما تعلو شواربه فتتجاوز ذروة أذنه، ويحيط به الناخبون وهم يغنّون مع الـDJ: "الله معاك/ ومعاك قلوبنا". كان المشهد كوميديًا أكثر من الانتخابات نفسها، ولذلك شاركته حسابات "فيسبوك" مشيرةً إلى أنه يرتبط بشيء ما له علاقة بانتخابات تجري في البلاد. فجأة ظهر عبد الفتّاح السيسي في صفحته بـ"فيسبوك"، لم يشارك فيديو المُرشَّح الحصان، لكنّه كتب "بوستًا" ركيكًا، خلاصته أن أخبار تزوير الانتخابات وصلت إليه، وأنه "سيتّخذ اللازم". من هنا بدأ الانتباه إلى أن شيئًا ما يحدث.

 

قبل "بوست" السيسي، جرت "هندسة" الانتخابات على نحوٍ يتجاوز أشكال التزوير السابقة كلّها، بحيث يكون مئة في المئة من الأعضاء المحتملين موالين للنظام، ولم يُسمَح، هذه المرّة، بهامش الربع في المئة الذي كان يتحرّك فيه أمثال أحمد طنطاوي وهيثم الحريري، أغلقوه تمامًا، ووضعوا من الشروط المطّاطة ما يسمح لهم باستبعاد من شاءوا، وهذا هو المعنى الحقيقي للتزوير؛ ما أمر به الرئيس لا ما وصل إليه، ما جرى بمعرفته لا رغمًا عنه. فما الذي يحدُث؟

 

ثمّة روايات تشير إلى صراع بين الأجهزة الأمنية. فلكل جهاز مُرشَّحون، وثمّة تنافس في التزوير بين المُرشَّحين، وبين بعضهم بعضًا، فلا ناخب هنا كي يحسم. ووصل الأمر في بعض الدوائر إلى اعتداءاتٍ بالضرب والخطف، وتسرّبت فيديوهات توثّق ذلك كلّه. ولكن ذلك كلّه مسبوق، ولا يكفي لتحريك صاحب الفخامة على عجلٍ ليكتب وينشر ويعد ويتوعّد، ثمّ يُلغي الانتخابات.

 

هل يخشى السيسي من سيناريو 2010؟ حين دفع الغرور رجال جمال مبارك إلى تزوير الانتخابات بنسبة مئة في المئة من دون هوامش تسمح بالتنفّس، فاختنق الجميع وثاروا، وكان ذلك أحد المحفّزات (مع غيره) على نجاح ثورة يناير (2011) في إزاحة حسني مبارك؟ ربّما، لكن الظروف مختلفة؛ فلا "الإخوان" هم "الإخوان"، ولا التيارات المدنية هي هي، ولا السياق هو السياق. في الإقليم حاليًا دول تخطف معارضين وتسلّمهم لدول أخرى، وتقبض ثمنهم، ورئيس "قائدة العالم الحرّ" يُوبِّخ صحافية لأنها وجّهت سؤالًا يتعلّق بذبح صحافي وتقطيعه في قنصلية بلاده. فأيّ إقليم، وأيّ عالم، وأيّ مصدر واقعي لقلق السيسي من مواصلة تزوير الانتخابات كما كان مقدّرًا لها؟ لا شيء غير "الداخل".

 

وسواء كانت الأجهزة أو غيرها، فنحن أمام مشهد لا يُفصح عن تفاصيله لكنّه يُنبئ بالمعنى من ورائه: النظام ضعيف، هشّ، لا يحتمل، غير مستقرّ؛ أكثر من عشر سنوات من الجرائم الممنهجة بحقّ مئات آلاف من المواطنين سجنًا واعتقالًا ونفيًا وتشريدًا وتهجيرًا وقتلًا وإخفاءً قسريًا، من أجل ما اعتبره الرئيس "إنقاذًا وطنيًا"، ثمّ لا شيء يُجاوز 2011؛ مجرّد خلاف (محتمل) بين طرفَين داخل الدولة يهزّ أركانها، ويهدّد استقرارها واستمرارها، ويستدعي التدخّل العاجل من أجل إنقاذها من نفسها، وذلك كلّه يدور حول انتخابات شكلية، لبرلمان هزلي، فما بالك لو كان حقيقيًا؟

 

قد يخبرك ذلك، ويؤكّد لك إجابات أخرى عن أسئلة من قبيل: لماذا أصاب النظام الهلع حين ترشّح سامي عنان أمام السيسي، فبادر بالقبض عليه وسجنه؟ لماذا قبض النظام على الضابط الشاب أحمد قنصوة لمجرّد أنه نشر فيديو يتحدّث فيه عن حقّه في الترشّح للرئاسة؟ لماذا أغلق النظام مكاتب التوثيق كلّها أمام ملايين المصريين المؤيّدين للمُرشَّح الرئاسي (الجاد) أحمد طنطاوي لمنعهم من توكيله؟ لماذا يرتعد النظام من أيّ منافسةٍ حقيقيةٍ له؟... ذلك لأن ضمانة استمراره الوحيدة ألّا ينافسه أحد؛ فهو أضعف من التغلّب على أيّ منافس، كما أنه أهون على أغلب المصريين من أيّ بديل، ولا يحتمل "زقّة".