نظم عمال محطات كهرباء أسوان التابعة لشركة المحطات المائية لإنتاج الكهرباء، وقفة احتجاجية يوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025، للمطالبة بزيادة الرواتب التي لا تتجاوز 6 آلاف جنيه شهرياً، بينما تحقق شركتهم أرباحاً طائلة وتنتج الكهرباء بأقل تكلفة بين كل شركات القطاع. هذا المشهد يكشف حجم الظلم الذي يتعرض له عمال مصر تحت حكومة لا تعترف بحقوقهم ولا تقيم وزناً لمعاناتهم.
رواتب بائسة مقابل إنتاج قياسي
كشف العمال المشاركون في الوقفة أن متوسط رواتبهم لا يتجاوز 6 آلاف جنيه شهرياً، بينما يتقاضى زملاؤهم في شركات إنتاج الكهرباء الأخرى رواتب أعلى بنحو 3 آلاف جنيه بفضل بدلات وحوافز مالية لا يحصلون هي عليها. المفارقة الصادمة أن تكلفة إنتاج الكيلوواط/ساعة في المحطات المائية لا تزيد عن 15 قرشاً فقط، بينما تبلغ التكلفة في شركات الإنتاج الأخرى جنيهين كاملين للكيلوواط الواحد.
أحد العمال عبّر عن هذا الظلم الفاضح قائلاً: "مش معقول ننتج بتكلفة رخيصة يعني المفروض بنحقق أرباح أعلى، وبدل ما تزود نسبتنا في الأرباح وتعدل رواتبنا بتدينا مرتبات أقل من زملائنا اللي بينتجوا بتكلفة أكثر من 15 ضعف". هذه الجملة تلخص منطق حكومة الانقلاب: كلما زادت إنتاجيتك وأرباحك، قلّ نصيبك من العائد.
أرباح بالمليارات والعامل يتضور جوعاً
اعتمدت الجمعية العامة لشركة المحطات المائية قبل أسبوع واحد فقط من الاحتجاجات نتائج أعمال الشركة عن العام المالي 2024-2025. الأرقام تكشف نجاحاً باهراً: بلغت الطاقة المولدة 16.437 مليار كيلووات/ساعة، بزيادة 10% عن المستهدف البالغ 13.157 مليار كيلووات/ساعة، وبزيادة كبيرة عن العام السابق الذي سجل 15.056 مليار كيلووات/ساعة.
هذا الإنتاج القياسي بأقل تكلفة يعني أرباحاً طائلة تحققها الشركة. لكن أين تذهب هذه الأرباح؟ بالتأكيد ليس إلى جيوب العمال الذين يكدحون في تشغيل هذه المحطات. العامل الذي ينتج كهرباء بتكلفة 15 قرشاً يتقاضى 6 آلاف جنيه فقط، بينما زميله الذي ينتج بتكلفة جنيهين يتقاضى 9 آلاف جنيه. أي منطق هذا؟ إنه منطق حكومة تعاقب الكفاءة وتكافئ الرداءة.
مطالب مشروعة وحكومة صماء
طالب العمال بصرف الأرباح السنوية وحافز تحقيق الأهداف، ورفع قيمة حافز التميز وصرفه شهرياً بدلاً من تأجيله لأشهر، وزيادة بدل الغذاء والإنارة. كما طالبوا بإعادة النظر في سياسات التفرقة الظالمة بين العمال في شركات إنتاج الكهرباء. هذه مطالب مشروعة تماماً لعمال يحققون إنتاجاً قياسياً بأقل تكلفة، لكن الحكومة تتجاهلهم كعادتها.
شركة المحطات المائية، المؤسسة عام 1978 والتابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر، تضم 6 محطات في 4 محافظات: محطة السد العالي ومحطتي أسوان 1 و2 بأسوان، ومحطة نجع حمادي بقنا، ومحطة إسنا بالأقصر، ومحطة أسيوط الجديد. هذه المحطات الاستراتيجية التي تنتج طاقة نظيفة بأقل تكلفة، يعمل فيها عمال لا تكفي رواتبهم لإطعام أسرهم في ظل التضخم الجنوني والأسعار المرتفعة.
موجة احتجاجات عمالية تعم البلاد
احتجاجات عمال كهرباء أسوان ليست حالة معزولة، بل جزء من موجة احتجاجات عمالية تجتاح شركات المرافق العامة. على مدار 13 يوماً نفذ عمال شركات مياه الشرب في القاهرة تظاهرات ووقفات في عشرات المواقع للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة منذ 2016، ومراعاة التدرج الوظيفي في تطبيق الحد الأدنى للأجور، وصرف فروق الضرائب، بالإضافة إلى إقالة قيادات متهمين بالفساد.
أعلن عمال مياه القاهرة تعليق احتجاجاتهم مؤقتاً لإعطاء الشركة فرصة لتنفيذ مطالبهم، لكن الاحتجاجات امتدت إلى شركات مياه الشرب في الجيزة والشرقية وبني سويف والمنيا. هذه الموجة العارمة تكشف أن الأزمة ليست في شركة واحدة أو قطاع محدد، بل في سياسة حكومية ممنهجة تستنزف العمال وتحرمهم من حقوقهم.
حكومة تسرق جهد العمال وتنفق على الهامش
بينما يتقاضى عامل الكهرباء 6 آلاف جنيه لا تكفي لإيجار شقة محترمة، تنفق حكومة الانقلاب مليارات الجنيهات على قصور رئاسية وعواصم إدارية ومشاريع هامشية لا تخدم المواطن البسيط. الأموال التي تأتي من عرق العمال وإنتاجهم تذهب إلى جيوب المقربين من السلطة وإلى مشاريع استعراضية تخدم صورة النظام.
هذه الحكومة التي تتحدث عن "الإنجازات" و"التنمية" و"المشروعات القومية"، هي نفسها التي تحرم العامل المنتج من راتب كريم يكفي لإطعام أسرته. هي نفسها التي تؤجل العلاوات لسنوات، وتفرق بين العمال في الرواتب والحوافز دون مبرر، وتصم آذانها عن مطالبهم المشروعة.
عمال ينتجون وحكومة تسرق
مشهد عمال كهرباء أسوان يختصر واقع الطبقة العاملة المصرية تحت حكم الانقلاب: إنتاج قياسي بأقل تكلفة، أرباح بالمليارات، ورواتب بائسة لا تكفي لحياة كريمة. حكومة تسرق جهد العمال لتنفق على الهامش، وتتجاهل احتجاجاتهم المشروعة، وتعاقب الكفاءة بينما تكافئ الولاء. هذا النموذج الفاشل لن يستمر طويلاً، فالعمال الذين يحركون عجلة الإنتاج هم نفسهم القادرون على إيقافها حين يقررون المطالبة بحقوقهم كاملة.

