في بيان شديد اللهجة حمل تاريخ "24 نوفمبر 2010" بدلاً من 2025، وصفت الحركة المدنية الديمقراطية انتخابات البرلمان الحالية بـ"المشهد الانتخابي الفاسد"، في إشارة رمزية صادمة إلى انتخابات مجلس الشعب في عهد مبارك التي مهدت لثورة 25 يناير. الحركة، التي تضم غالبية أحزاب المعارضة المدنية، لم تكتفِ بتوصيف الانتهاكات بل طالبت صراحة بإلغاء الانتخابات وإعادة صياغة الإطار القانوني بالكامل.
هندسة انتخابية لإقصاء المعارضة وتمكين الموالاة
أكدت الحركة أن هندسة النظام الانتخابي والدوائر أُعدت بعناية "لاستبعاد القوى المستقلة وإحياد أغلبية المواطنين"، بهدف "تمكين أحزاب الموالاة من السيطرة على أغلبية المقاعد، ومنع أي أصوات معارضة أو مستقلة من دخول البرلمان". القانون الانتخابي الحالي، الذي يجمع بين النظام الفردي والقائمة المغلقة المطلقة، جاء بعد تجاهل تام لمطالبات الحركة على مدار سنوات بنظام القوائم النسبية الذي يضمن منافسة حقيقية.
إعادة ترسيم الدوائر التي أجرتها الحكومة "صُممت لإقصاء المعارضة وإعطاء تمييز إيجابي للمال السياسي". النتيجة: دوائر واسعة جغرافياً تمنح الأفضلية للمرشحين ذوي النفوذ المحلي والارتباطات الأمنية والقدرات المالية الضخمة، بينما تسحق المستقلين والمعارضين محدودي الموارد. بل إن قائمة واحدة فقط ترشحت على نظام القوائم، ما يعني أن نصف أعضاء البرلمان فائزون تلقائياً دون منافسة حقيقية.
اتفاقات الغرف المغلقة تتحول إلى فوضى وصراعات
انتقدت الحركة بشدة "المشهد الانتخابي الفاسد" الذي شابه "شراء الأصوات والفوضى داخل اللجان وصراعات غير سياسية"، معتبرة أن ما جرى نتيجة مباشرة لـ"اتفاقات الغرف المغلقة" بين أحزاب الموالاة، والتي تحولت لاحقاً إلى صراعات أفرزت الوضع الحالي. هذه الاتفاقات السرية التي تقسم المقاعد مسبقاً بين الموالين، انفجرت في وجه النظام عندما تنازع المتنافسون على الحصة، فتحولت العملية إلى سوق نخاسة سياسي يُباع فيه الصوت بمئات الجنيهات.
الأجهزة الأمنية تتحكم بخريطة المرشحين كاملة، سواء من خلال اختيار الأسماء "المقبولة" في القوائم المغلقة أو التضييق على المستقلين في الدوائر الفردية التي تُدار أمنياً رغم مظهرها التعددي. والاستبعاد التعسفي للمرشحين المحسوبين على المعارضة، بما فيهم نواب في البرلمان الحالي، يؤكد أن العملية مهندسة أمنياً من الألف إلى الياء.
مناخ قمعي وتهميش ممنهج للحياة السياسية
شددت الحركة على أن ما جرى من خروقات يعكس "إصرار السلطة على إدارة العملية السياسية بعقلية الإقصاء والتحكم"، في ظل مناخ سياسي "قمعي" وتهميش متواصل للحياة الحزبية منذ سنوات. فإغلاق المجال العام والسياسي، وقمع أصحاب الآراء المستقلة، والتنكيل بالمعارضة السلمية، يحول دون تشكيل حركات سياسية قادرة على تمثيل المصريين والدفاع عن مصالحهم.
ما شهدته العملية من "عوار وغياب ثقة المواطنين" هو نتيجة طبيعية لسنوات من التضييق على الحريات العامة وإضعاف السياسة. مصر تشهد "لحظة فارقة لا تحتمل التردد ولا تستوعب المزيد من التزييف أو العبث"، بحسب الحركة التي حذرت من أن الاكتفاء بمعالجات سطحية لن يؤدي إلا إلى مزيد من عزوف المواطنين وارتفاع منسوب الغضب وغياب الأمل.
تاريخ "2010" رسالة واضحة: نفس المسار ونفس المصير
اختيار الحركة لتاريخ "24 نوفمبر 2010" في ختام بيانها ليس عبثاً، بل رسالة رمزية صادمة: ما يجري اليوم نسخة طبق الأصل من التزوير الذي شهدته انتخابات مجلس الشعب 2010 في عهد مبارك. تلك الانتخابات التي فاز فيها الحزب الوطني بـ420 مقعداً من أصل 508 بنسبة تزوير فاضحة، والتي مهدت بعد شهرين فقط لانفجار الغضب الشعبي وثورة 25 يناير.
الحركة تحذر بوضوح: تكرار نفس المسار سيؤدي إلى نفس النتيجة. "استمرار الأزمة دون معالجة جذرية يهدد الاستقرار ويزيد الفجوة بين السلطة والمجتمع". الطريقة التي تُدار بها الحياة السياسية "لم تنتج خلال السنوات الماضية سوى التخبط والتراجع وانعدام الرضا الشعبي".
مطالبة صريحة: إلغاء الانتخابات وإصلاح جذري
لم تكتفِ الحركة بالإدانة، بل طالبت صراحة بـ"إلغاء هذه الانتخابات وإعادة النظر في القوانين المنظمة للعملية الانتخابية"، بما يشمل تخصيص نسبة للقائمة النسبية، وإعادة ترسيم الدوائر بما يسمح للمرشحين بالتواصل الحقيقي مع جمهورهم. كما طالبت بإصلاح سياسي شامل يبدأ بتحسين المناخ العام وفتح المجال أمام الحريات وحق التنظيم.
الحركة أكدت أن "الاعتراف الرسمي بوجود عوار في العملية الانتخابية" - بعد إلغاء نتائج 19 دائرة في المرحلة الأولى - يجب أن يُستغل "كفرصة لإعادة تغيير المسار والرؤية التي تُدار بها الأمور". لكن يبدو أن الحكومة مصرة على المضي في نفس الطريق الفاشل، غير مكترثة بالتحذيرات من تكرار سيناريو 2010-2011.
نسخة مكررة من تزوير مبارك
بيان الحركة المدنية الديمقراطية يضع النقاط على الحروف: انتخابات 2025 نسخة مكررة من تزوير 2010، بنفس الأدوات ونفس الأهداف ونفس النتائج المتوقعة. هندسة انتخابية لإقصاء المعارضة، اتفاقات غرف مغلقة بين الموالين، شراء أصوات منظم، تحكم أمني كامل، وبرلمان مزيف سلفاً. الحكومة التي تتجاهل دعوات الإصلاح وتكتفي بمعالجات سطحية، تعيد إنتاج نفس الأزمة التي أسقطت مبارك، وتدفع البلاد نحو انفجار جديد يهدد الاستقرار ويعمق الفجوة بين السلطة والمجتمع. التاريخ يعيد نفسه، والسؤال الوحيد: متى سيتعلم النظام من دروس الماضي قبل فوات الأوان؟

