في خطوة مفاجئة أعادت خلط الأوراق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ "منظمة إرهابية أجنبية"، متوعداً بقرارات "مشددة وملزمة" يجري إعداد وثائقها النهائية.
هذا الإعلان، الذي لم يُقدم عليه ترامب في ولايته الأولى رغم الحروب المفتوحة حينها، يأتي اليوم في توقيت مريب، ليطرح تساؤلات حول دوافع "التاجر" القابع في البيت الأبيض: هل هي قناعة أمنية متأخرة بـ"خطر" جماعة مهزومة ومفككة، أم أنها "صفقة بيزنس" جديدة يلوح بها لابتزاز حلفاء وخصوم في المنطقة، مستخدماً فزاعة "الإخوان" التي ظن الجميع أنها ماتت إكلينيكياً؟
توقيت "البيزنس": لماذا الآن؟
يأتي التلويح بالعصا الأمريكية في وقت تعيش فيه جماعة الإخوان أسوأ أيامها؛ قيادات في السجون، وانقسامات تعصف بالخارج، وغياب تام عن المشهد السياسي المصري.
ابتزاز الحلفاء: يرى مراقبون أن ترامب يتصرف بمنطق "التاجر" الذي يفتش في دفاتره القديمة عندما يحتاج للسيولة. فالجماعة لم تعد تشكل خطراً حقيقياً على واشنطن، وتصنيفها الآن قد يكون ورقة ضغط لانتزاع مكاسب مالية أو سياسية من دول في الإقليم لا تزال "تخشى" شبح الإخوان أو تريد تصفية حسابات قديمة معهم.
مغازلة الداخل: يتزامن القرار مع تحركات مماثلة في الداخل الأمريكي، مثل قرار حاكم تكساس بتصنيف الإخوان ومنظمة "كير" ككيانات إرهابية، مما يشير إلى رغبة ترامب في استرضاء قاعدته اليمينية المتشددة التي ترى في "الإسلام السياسي" عدواً وجودياً.
التداعيات الكارثية: ضربة للمؤسسات لا للجماعة
بينما قد يبدو القرار موجهاً ضد تنظيم سياسي، إلا أن شظاياه ستطال البنية التحتية للعمل الإسلامي في الغرب بشكل عام.
تفكيك المؤسسات: تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية سيمنح السلطات الأمريكية غطاءً قانونياً لمصادرة أموال وإغلاق عشرات الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية والمنظمات الحقوقية (مثل "كير") بدعوى ارتباطها بالجماعة، حتى لو كان هذا الارتباط واهياً أو تاريخياً، مما يهدد الوجود المدني للمسلمين في أمريكا.
حرج للأوروبيين: سيضع القرار حلفاء واشنطن في أوروبا، وخاصة بريطانيا التي رفضت سابقاً تصنيف الجماعة كإرهابية، في موقف حرج، حيث ستتعرض لضغوط لتبني نفس الموقف، مما قد يفتح الباب لموجة تضييق عالمية على أي نشاط إسلامي معارض.
مفارقة "الإصلاح" و"بشار": تناقضات السياسة الأمريكية
يكشف القرار عن تخبط في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، حيث قد يضر بمصالح واشنطن نفسها في ملفات شائكة.
هدية للحوثيين: في اليمن، يعتبر حزب "الإصلاح" (الذراع السياسي للإخوان) القوة البرية الأكبر التي تواجه الحوثيين وتتحالف مع السعودية. تصنيف الإخوان إرهابياً يعني عملياً رفع الغطاء عن هذا الحليف الميداني، وتقديم خدمة مجانية للحوثيين وإيران، في تناقض صارخ مع رغبة ترامب في احتواء النفوذ الإيراني.
تبييض الأسد وشيطنة الإخوان: المفارقة الأكبر تكمن في أن هذا التوجه يأتي تزامناً مع غزل ترامب لنظام بشار الأسد ورفع اسمه من قوائم الإرهاب، رغم جرائمه الموثقة وقتاله للقوات الأمريكية في العراق (عبر فتح الحدود)، بينما كان الإخوان تاريخياً حلفاء للأمريكيين في مواجهة السوفييت والأنظمة القومية، ولم يستهدفوا المصالح الأمريكية بشكل مباشر.
بضاعة كاسدة في سوق متقلب
إن تلويح ترامب بتصنيف الإخوان إرهابياً ليس "صحوة ضمير" لمحاربة التطرف، بل هو عرض "بضاعة" سياسية في سوق المزايدات. فالجماعة اليوم، المنقسمة والمنهكة، لم تعد ذلك "البعبع" الذي يستدعي استنفار الدولة العظمى، بل تحولت إلى "شماعة" يعلق عليها الجميع فشلهم أو أطماعهم. وإذا مضى ترامب في قراره، فلن يقضي على "فكرة" الإخوان، بل سيقضي على مساحات العمل المدني المعتدل، ويترك الساحة خالية للتطرف الحقيقي الذي لا يحتاج لاسم أو لافتة ليمارس إرهابه. إنه قرار "التاجر" الذي قد يربح صفقة اليوم، لكنه سيخسر استقرار المنطقة غداً.

