استيقظ قطاع غزة صباح اليوم على وقع مجازر جديدة تضاف إلى السجل الأسود للاحتلال الإسرائيلي، حيث شنت الطائرات الحربية سلسلة من الغارات الجوية المكثفة والمتزامنة التي استهدفت عمق الأحياء السكنية في مدينتي غزة وخان يونس. يأتي هذا التصعيد العسكري الخطير، الذي وصفه مراقبون بأنه "رد انتقامي هستيري"، في أعقاب عمليات للمقاومة استهدفت قوات الاحتلال المتوغلة في رفح. ولم يتورع جيش الاحتلال عن استخدام القوة المفرطة والعمياء، محولاً المناطق المدنية المكتظة إلى ساحة حرب مفتوحة، ما أسفر عن ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى في غضون ساعات قليلة، ليعيد إلى الأذهان مشاهد الدمار الشامل وسياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها الكيان الصهيوني ضد المدنيين العزل في القطاع المحاصر.

 

 

ذرائع أمنية لغطاء استهداف المدنيين في حي الزيتون

 

في محاولة لتبرير القصف العشوائي الذي طال المنازل الآمنة، سارعت ماكينة الدعاية الإسرائيلية إلى تصدير روايتها الأمنية المعتادة. فقد أعلنت إذاعة جيش الاحتلال أن سلاح الجو نفذ ضربات دقيقة استهدفت اجتماعاً لقيادات بارزة في حركة حماس داخل حي الزيتون شرق مدينة غزة. وتزعم الرواية الإسرائيلية أن هذا القصف جاء رداً مباشراً ومحسوباً على الهجمات التي تعرضت لها قواتها في رفح صباحاً.

 



إلا أن الواقع على الأرض يكذب دقة هذه المزاعم؛ فحي الزيتون، المعروف بكثافته السكانية العالية وأزقته الضيقة، شهد دماراً واسعاً لا يتناسب مع ادعاء استهداف نقطة بعينها. ويشير شهود عيان إلى أن الصواريخ الارتجاجية التي استخدمت في القصف أدت إلى تدمير مربعات سكنية كاملة، مما يؤكد أن الهدف لم يكن مجرد اغتيال شخصيات قيادية، بل ترويع الحاضنة الشعبية ودفيء المدنيين الثمن الأكبر لهذا الفشل الأمني الإسرائيلي في الميدان. إن استهداف حي سكني مكتظ بدعوى وجود قيادات عسكرية يمثل في حد ذاته انتهاكاً صارخاً لقوانين الحرب التي تحظر الهجمات غير المتناسبة، وهو نمط متكرر تلجأ إليه قوات الاحتلال للتغطية على خسائرها العسكرية المباشرة.

 

عداد الدم يرتفع: مجازر متنقلة بين غزة وخان يونس

 

لم يكد غبار القصف ينجلي في مدينة غزة حتى امتدت الغارات لتشمل محافظة خان يونس جنوباً، موسعة دائرة النار والدم. وبحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن المصادر الطبية في مستشفيات القطاع، فقد ارتفعت حصيلة العدوان بشكل متسارع ومرعب. فبعد أن كانت التقديرات الأولية تشير إلى استشهاد 11 مواطراً، قفز الرقم في غضون ساعات قليلة ليصل إلى 25 شهيداً، فيما اكتظت أقسام الطوارئ بأكثر من 77 مصاباً، جروح العديد منهم وصفت بالحرجة للغاية.

 

هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات صماء، بل تعكس حجم الكارثة الإنسانية؛ فالطواقم الطبية التي تعاني أصلاً من نقص حاد في المستلزمات والأدوية وجدت نفسها أمام سيل من الإصابات المعقدة، تتراوح بين البتر والحروق العميقة وإصابات الشظايا في الرأس والصدر. وتؤكد المصادر من داخل مجمع الشفاء الطبي ومستشفى ناصر أن غالبية الضحايا هم من المدنيين الذين كانوا في منازلهم أو في الشوارع القريبة، ولم يكونوا منخرطين في أي أعمال قتالية، مما يثبت عشوائية القصف وتعمد إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية.

 

انتهاكات ممنهجة وسياسة "الأرض المحروقة"

 

إن ما حدث منذ صباح اليوم لا يمكن فصله عن السياق العام للانتهاكات الصهيونية المستمرة؛ فالربط المباشر بين عملية للمقاومة في رفح وبين قصف المدنيين في غزة وخان يونس يكشف عن عقيدة "جباية الثمن" التي يعتمدها جيش الاحتلال. هذه العقيدة تقوم على فكرة الانتقام من المجتمع الفلسطيني ككل عند أي إخفاق عسكري يواجهه الجنود على الجبهات. إن توسيع رقعة القصف لتشمل مناطق متفرقة في آن واحد يهدف إلى تشتيت جهود الدفاع المدني والإسعاف، وزرع حالة من الرعب واليأس بين السكان، في محاولة لكسر إرادة الصمود.

 

علاوة على ذلك، فإن استخدام القوة الجوية المفرطة ضد أحياء سكنية يُعد جريمة حرب مكتملة الأركان وفقاً لاتفاقيات جنيف الرابعة. فالاحتلال لا يكتفي بالقتل المباشر، بل يسعى لتدمير البنية التحتية المتهالكة أصلاً، وضرب مقومات الحياة الأساسية، مما يفاقم من الأزمة الإنسانية والمعيشية في القطاع. إن استمرار الصمت الدولي العاجز أمام هذه المجازر يمنح الاحتلال ضوءاً أخضر لمواصلة عدوانه، ويجعل من المجتمع الدولي شريكاً صامتاً في سفك الدماء الفلسطينية التي سالت بغزارة اليوم في شوارع غزة وخان يونس.