في تطوّر جديد يعكس هشاشة العلاقة بين السلطة السياسية في مصر ورموز الفن الموجه، أثار الحكم القضائي الصادر بسجن الفنان محمد رمضان لمدة عامين مع الشغل جدلًا واسعًا حول حدود النجومية وصلاحيات الدولة في ضبط المجال الفني.
ورغم أن القضية تبدو قانونية في ظاهرها، فإنها أعادت فتح ملف ارتباط صناعة الترفيه بالأجهزة الأمنية، ودور النظام في صناعة نجوم ثم التضحية بهم عند تبدّل المصالح.
القضية: حكم قضائي يتجاوز حدوده القانونية
محكمة جنح الدقي قضت بحبس محمد رمضان عامين مع الشغل، بعد اتهامه ببث أغنية “رقم واحد يا أنصاص” عبر يوتيوب من دون الحصول على التراخيص اللازمة من وزارة الثقافة، إضافة إلى اتهامات بإخلال الذوق العام والتحريض على العنف. القضية المقيدة برقم 9213 لسنة 2025 أحدثت صدى واسعًا، لكونها تطال واحدًا من أكثر الفنانين حضورًا في المشهد الفني المصري.
رمضان ردّ على الحكم بطريقة تحدٍّ واضحة، عبر إعادة نشر الأغنية وتأكيد تمسّكه بلقب “نمبر 1”، بينما حاول فريقه القانوني تقديم وثائق تشير إلى وجود تصاريح سابقة وتوافقات رسمية لم تؤخذ في الاعتبار.
ورغم ذلك، مضت القضية في مسار قضائي تصاعدي، وسط ضجة إعلامية ضخمة وحضور جماهيري مستمر.
البعد السياسي: صعود نجم برعاية أمنية وانكساره عند تغيّر المزاج الرسمي
لم يكن رمضان مجرد ممثل صاعد أو صاحب جمهور واسع، بل لعب لسنوات دورًا في تشكيل الخطاب الإعلامي والفني المتوافق مع توجهات السلطة بعد 2013. الأعمال التي شارك فيها مثّلت صورة “البطل القوي” الذي يرسخ رواية الدولة عن السيطرة والحزم ورفض التمرّد، في إطار سياسة إعلامية رعتها الأجهزة الأمنية لإعادة صياغة المشهد الثقافي وترتيب صورة الدولة أمام الجمهور.
خلال العقد الأخير، سيطر جهاز الدولة على الدراما والسينما بدرجة غير مسبوقة، حيث أصبحت معظم النصوص تمر بآليات مراجعة أمنية صارمة. كما جرى إقصاء الأصوات المستقلة وتثبيت نمط واحد من الرواية الرسمية، في وقت توسعت فيه صلاحيات مؤسسات سيادية في إدارة الإنتاج الفني.
قواعد جديدة للولاء: النجومية تحت سقف الدولة
مع الوقت، تغيّر وضع رمضان داخل المنظومة. فالنجم الذي ساهم لفترة في تمرير خطاب القوة، وجد نفسه أمام حدود جديدة تفرضها السلطة على كل شخصية عامة، مهما بلغت شعبيتها. مراقبون يرون أن تضخم قاعدة جمهور رمضان خلق توترًا صامتًا مع أجهزة الدولة، خصوصًا مع محاولاته الحفاظ على استقلالية شخصية وصورة إعلامية تشذّ عن “النموذج المرسوم”.
الحكم الصادر ضده، بحسب محللين، ليس مجرد رد على مخالفة إجرائية، بل رسالة واضحة لبقية الفنانين: النجومية لا تُبنى خارج دائرة الولاء الكامل. ومثلما تستطيع الدولة صناعة نجم، تستطيع أيضًا إعادته إلى الهامش إذا شعرت بتجاوز غير محسوب أو تمدّد جماهيري خارج السيطرة.
فن تحت الوصاية: علاقة تنتهي حين تتجاوز النجومية حدودها
تُظهر القضية التي يواجهها رمضان آلية حاكمة في صناعة الفن داخل مصر في عهد السيسي، إذ تتحول السلطة إلى ضابط الإيقاع الوحيد للسردية الفنية.
كل سرد يبتعد عن الخط السياسي العام يُعد تهديدًا محتملاً، وكل فنان يحاول الاعتماد على جماهيريته كمساحة قوة مستقلة يجد نفسه في مواجهة مؤسسات تملك سلطة الإزاحة والعقاب.
ومن هنا، تبدو أزمة رمضان امتدادًا لحالات مشابهة طاولت إعلاميين وفنانين تراجع نفوذهم بعد صدامات مع النظام أو فقدانهم التأييد الأمني.
كلها مؤشرات تعكس أن النجومية في مصر لا تُقاس بعدد المشاهدات، بل بمدى التماهي مع الإطار السياسي.
وأخيرا حكم يحمل رسائل أبعد من محكمة
الحكم بحبس محمد رمضان لا يمكن فصله عن السياق السياسي الذي تتحكم فيه الدولة بكل مفاصل المجال الفني والترفيهي.
قد يظهر القرار كخطوة لتطبيق القانون، لكن طريقة التعاطي معه وحجم الاهتمام الأمني والإعلامي المحيط به يعكسان ما هو أعمق: إعادة ضبط قواعد اللعبة بين السلطة ونجومها.
في مصر اليوم، يظل منطق الصناعة الفنية مرتبطًا بحدود الولاء، وتبقى النجومية مشروطة بالبقاء داخل منطقة النفوذ الرسمي. وما جرى مع رمضان مثال جديد على أن من يصعد بدعم الدولة قد يسقط أيضًا بقرار منها، وأن صناعة الترفيه ما زالت مساحة مُغلقة تخضع لمعادلة سياسية واضحة: لا نجم فوق سلطة الدولة ولا شعبية تعلو على حسابها.

