على الرغم من أن مصر كانت صاحبة الحصة الأكبر من إجمالي حجم المساعدات والإغاثية التي تم إدخالها إلى غزة على مدار عامين من حرب الإبادة، إلا أن أصواتًا خرجت في الآونة الأخيرة ترفض التجاوب مع دعوة التبرع للمساهمة في جهود إعادة الإعمار التي أطلقها قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الجاري.
وفقًا لما أعلنته وزارة الخارجية فى أغسطس الماضى في بيان إحصائي بالجهود الإنسانية المصرية في قطاع غزة تشمل احصاءات حول المساعدات الإنسانية والإغاثية التي تم توفيرها لقطاع غزة، وما تم الاضطلاع به من جهود لاستقبال المساعدات الإنسانية من كافة الدول وتوفير الرعاية الطبية للجرحى الفلسطينيين، فقد أرسلت مصر 70 فى المائة من إجمالى المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة، بإجمالى 550 ألف طن من المساعدات الطبية والغذائية.
وقامت مصر بـ168 عملية إنزال جوى أسقطت خلالها 3730 طنًا من المساعدات، كما استقبلت 1022 طائرة مساعدات فى مطار العريش حملت 27247 طنًا من المساعدات الإنسانية بالإضافة إلى 591 سفينة استقبلتها الموانى المصرية.
وعبرت 1288 شاحنة من مصر عبر معبر كرم أبوسالم منذ 27 يوليو 2025 حتى 17 أغسطس، بالإضافة لوجود 5000 شاحنة تحمل المساعدات الإنسانية على الجانب المصرى كانت تنتظر الدخول آنذاك.
رفض التبرع لغزة
لكن ما إن دعا السيسي الأحد الماضي، إلى الإسهام في جهود إعمار غزة، وكلف رئيس حكومة الانقلاب، مصطفى مدبولي، بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية بالدولة لدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مساهمات وتبرعات المواطنين، إلا وسارع البعض إلى التعبير صراحة عن رفضه التجاوب مع الدعوة للتبرع، ومن بين هؤلاء إعلاميون ونجل الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وهو ما فجر صدمة لدى القطاع الأكبر من المصريين الذين لم يتأخروا يومًا عن تلبية النداء للإسهام ولو بجنيهات قليلة، من أجل إيصال المساعدات إلى غزة، ولا زال مشهد بائع البرتقال الذي قذف ببعض منها على شاحنة كانت في طريقها إلى هناك ماثلاً في الأذهان، ويعبر عن حالة التعاطف الواسع بين المصريين تجاه أشقائهم في غزة، الذين تجرعوا مرارة القتل والتدمير والتشريد على مدار عامين متواصلين.
فيما كشف البعض عن مخاوف من حدوث تلاعب وسوء إدارة في إيصال التبرعات إلى غزة كما حدث في السابق، مما دفعهم إلى المطالبة بضمانات حقيقية لمنع تكرار السيناريوهات السابقة، ومن بين هؤلاء الإعلامي إبراهيم عيسى، الذي تبنى المطالبة بذلك في مقطع فيديو نشره عبر قناته على موقع "يوتيوب".
وكشف عيسى، أسباب عدم تبرعه وعدم التجاوب مع ما وصفها بـ "الدعوة النبيلة والكريمة" للسيسي، قائلاً إن "تبرعات جُمعت لشعب غزة لم تصل لمستحقيها"، متسائلاً عن الضمانات التي تكفل وصول هذه التبرعات لإعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن دخل المواطن المصري "أقل كثيرًا من دخل المواطن الغزاوي"، مؤكدًا في الوقت نفسه على عدم المزايدة على حب المصريين وولائهم للقضية الفلسطينية.
واستشهد عيسى في رفضه بما وصفه بـ "نهب الفلسطينيين الحمساويين على مدار السنتين الماضيين"، مشيرًا إلى أن تبرعات جُمعت لشعب غزة "تم سرقتها" من قبل من وصفهم بـ "اللصوص" الذين قسموا الملايين على بعضهم، حسب زعمه.
جدل أديب وعلاء مبارك
تعبير عيسى عن رفضه التبرع لغزة أثار أصداء واسعة على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. أيًا كانت المبررات التي ساقها، فإن هذا لا ينكر حقيقة أن هناك مصريين عبروا عن رفضهم الإسهام في التبرعات لإعادة أعمار غزة.
وتذرع هؤلاء بأن ذلك يجب ألا يأتي على حساب احتياجات الداخل، خصوصًا في ظل توقعات بموجة تضخمية جديدة وارتفاع أسعار السلع والخدمات، لا سيما مع الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، بنسب وصلت إلى 13 في المائة.
وهو ما رد عليه الإعلامي عمرو أديب برسالة للأصوات المعترضة عليها بسبب الظروف الاقتصادية، قائلاً: "هذه هي الظروف، مش بمزاجك، يجب أن تساند غزة، وتعمل على إعمارها وتجمع التبرعات سياسيًا وطنيًا وإسلاميًا وإنسانيًا ومصريًا؛ لأن غزة في رقبتك إلى يوم الدين".
واستشهد بالروابط التاريخية التي تجمع مصر بالقطاع، قائلاً: "يا جماعة، قطاع غزة ده كان مصري، عندما كنا نذهب إلى غزة كانت البضائع كلها من مصر، والبنزين الذي كان يُهرب في جراكن على الحدود مصري، والأكل مصري، وأغلب العائلات هناك عندها امتداد مصري".
لكن علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، انتقد "إلزام المصريين بالتبرع"، متسائلاً عن الضمانات التي تكفل وصول الأموال إلى مستحقيها، ومطالبًا القيادات الفلسطينية وأثرياء غزة بأن يكونوا قدوة في العطاء.
"اختياري" وليس "إجباريًا"
وقالت الكاتبة سحر الجعارة، ردًا على دعوة إبراهيم عيسى برفض التبرع لغزة، إنه "اختياري" وليس "إجباريًا"، مشيرة إلى أنه "عمل تطوعى للقادر والمؤمن بضرورة المشاركة، وليس فرض عين على كل مواطن.. ويستحيل تطبيقه بالإكراه، ولن أعد بأن أكون أول المعارضين لهذا القرار إذا تم تطبيقه جبريًا، لأنه من رابع المستحيلات حدوثه".
وردت على من يتذرعون بالخسائر التي تكبدتها قناة السويس من 5 إلى 7 مليارات دولار بسبب تهديد الحوثيين للملاحة بباب المندب، قائلة إن "وقف الحرب وإعادة الإعمار هما السبيل الوحيد لوقف هذا النزيف الاقتصادي.. طالما هناك صراعات وحروب على حدودنا فلن يتقدم الاقتصاد المصري لأن الحروب طاردة لأي استثمار".
وتابعت في ردها على الرافضين بحجة: "اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، قائلة: "المبدأ مرفوض حتى لو اختياري، والحقيقة من حق من يرفض أن يمتنع عن التبرع (محدش ضربك على إيدك) ولكنه ليس وصيًا على القادر الذى يتبرع".

