على الرغم من أن "الجلابية" المصرية التي يرتديها الأهالي في الدلتا أو الصعيد قديمة قدم مصر نفسها، وتعد مظهرًا أصيلاً من مظاهر الأصالة للمصريين والاعتزاز بتراث آبائهم وأجدادهم، فهي عنوان للهوية المصرية من قديم الأزل، إلا أن هناك من ينظر إليها بسخرية، ولا يراها دليلاً على الرقي والتحضر.
هذه النظرة يمكن أن تراها في أعين بعض سكان المدن تجاه المتمسكين بارتداء "الجلابية" الذين يرفضون التخلي عنها حتى وإن باعدت بينهم السنين والمسافات عن جذورهم ومسقط رأسهم، لأنه كما يقولون: "الأصل غلاب"، ولأن الشخصية الأصيلة لا تتخلى عن جذورها مهما ارتقت من مكانة أو اكتسبت وجاهة.
تاريخ الجلابية
والجلابية كانت قبل مئات السنين تُصنع يدويًا من أقمشة طبيعية كالكُتان أو القطن المصري، حتى تناسب البيئة الحارة في الجنوب، وهي الرداء الذي يفضله كثيرون من أهالي الصعيد والدلتا في الحياة اليومية والمناسبات سواء كانت أفراحًا أو مجالس عرفية.
وتمتاز الجلابية بفتحة الصدر الواسعة، والألوان السائدة للجلابية الرجالي في مصر هي الأبيض، الرمادي، المائل للأزرق أو المائل للبنية. وتصل تكلفتها في بعض الأحيان إلى آلاف الجنيهات، بحسب نوع القماش المستخدم، وطريقة التفصيل.
تاريخيًا، ترجع "الجلابية" إلى مصر القديمة والنوبة القديمة (السودان الحديث) حيث كان يرتدي الرجال والنساء على حد سواء ملابس طويلة فضفاضة، وليناسب العمل الزراعي، حيث يسهل ربط جزئه السفلى عند الوسط ليبتعد عن المياه والطين، وكانت الأكمام واسعة ليسهل طيها، كما كان الجلباب دون رقبة، ليتحمل الحرارة ولا يضايق الجسم كثيرًا.
قرار رسمي ضد الجلابية
لكن "الجلابية" واجهت محاولات متكررة للقضاء عليها، حتى إنه فى مطلع الخمسينات وعقب وصول العسكر إلى الحكم كانوا يتطلعون للتغير من هيئة وشكل المصري، من خلال ما تسمى بـ "لجنة الزي"، التي تشكلت برئاسة وزير الشئون الاجتماعية وعضوية ممثلين من الجيش والوزارات والمصالح ونقابة الصحفيين. لبحث توحيد الزى للمواطنين. ومن ثم طرحت فكرة البدلة الشعبية، كبديلٍ عن الجلابية.
وفي عام 1964 كانت هناك حملة أخرى قادتها وزارة العمل ضد "الجلابية الرجالي"، حيث تقرر عدم السماح للعمال بارتدائها في المصانع والترويج للبنطلونات والجاكيتات، أو ما يُعرف بـ "البدلة الشعبية". وكان يرتديها كبار المسئولين.
وبعد أن سافر كثير من المصريين إلى الخليج في أوائل السبعينيات، تأثروا بالملابس التي يرتديها أهل الخليج، وهي الجلباب الأبيض الشهير، وأصبح منافسًا للجلابية المصرية الشهيرة وإن لم يستطع أن يزيجها حتى الآن عن عرشها.
الزي الرسمي للمصريين
وفي عام 2009، خرج النائب البرلماني مصطفى الجندي ليطالب بجعل "الجلابية" زيًا رسميًا للمصريين جميعًا.
وكان للجندي أسبابه التي دفعته إلى ذلك حيث يقول "لأي مكان في العالم زيه القومي إلا مصر، كما ان من يرتدي الجلباب في مصر ممنوع من دخول أكثر من 70 بالمائة من الأماكن العامة بها وهذا شيء غير دستوري وغير إنساني في بلد يرتدي ما يزيد عن 70 بالمائة من سكانه الجلباب".
وأضاف: ""كما ان الجلباب البلدي عندما يرتديه جورج أو محمد لا يظهر الفارق بينهما ولكن بسبب الحرب على الجلباب ظهرت أنواع أخرى مثل الجلباب السعودي والأفغاني والباكستاني والعماني وغيره".
وأشار إلى أن كل من هذه الجلابيب جاءت بثقافتها وهذا أمر غير مقبول، لافتًا إلى أن "70 بالمائة من المصريين في البلاد العربية يرتدون الجلباب فلماذا لا يرتدون الجلباب المصري؟ لماذا نرتدي جلباب بلد آخر؟ إنها فكرة الهوية".
لكن الدعوة التي تم تلق استجابة رسمية آنذاك واجهت اعتراض في أوساط المصريين الذين لا يفضلون عادة "الجلابية"، كما هو حال قطاع كبير من أهل المدن.
التبرؤ من الجلابية
إلا أن الغريب حقًا هو نظرة الاحتقار التي ظهرت في تعليق لابنة الكاتب العلماني فرج فودة على صورة متداولة لرجل مصري يرتدي الجلباب يتجول مع زوجته داخل المتحف المصري الكبير، بعد أن لاقت استحسانًا كبيرًا ورواجًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي.
وكتبت الإعلامية سمر فرج فودة في منشور عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "مع كامل احترامي لهم لكن آسفة جدًا.. إحنا مش هذا الزي.. مصر فساتين الأربعينيات والخمسينات وشياكة رجالها .. مصر تعني أن الأنثى مازالت أنثى متألقة وأشيك من فتيات باريس ورجالها أشيك من ملوك إنجلترا ..".
وتابعت: "أرى مصر بهذه الطريقة وما زالت هكذا لم نتحول إلى الوهابية، إن شئتم تكريمهم ولهم منى كل الاحترام فعلى الرحب والسعة ولكنهم لا يمثلون مصر، آسفة جدًا متجيش تبروزلي ال … و تقولي هي دي مصر، خاصة والميديا العالمية مسلطة عليك والهدف هو جذب السائحين".
الأمر الذي فجر عاصفة من الهجوم ضدها دفعها في النهاية إلى تقديم الاعتذار عن تعليقها المسيء، قائلة: "أولاً قبل أي شيء أعتذر عن أي شيء قد مس قلوب المصريين بالسلب، أعتذر للزوجين فهم بالتأكيد فخر لنا جميعا ، مسحت البوست لان الناس لم تتفهم وجهة نظري و هو شيء مقبول و متعارف عليه فإرضاء الناس غاية لا تدرك".
وأضافت: "ثانيًا أنا أهلي فلاحين و فخورة بهذا الشيء و شرف عظيم أن أصولي من الفلاحين و لم أتطرق لجانب الجلابية الفلاحي للرجال بأي شكل من الأشكال بالعكس كنت بقابل ناس كتير بالجلاليب قلوبهم انضف من ناس كتير ببدل.. و كتبت بوست قبل كده يؤكد ذلك و أبى رحمة الله عليه كان يلبس الجلابية البيضاء كثيرا و آخر عهدي به و آخر لقاء بيننا كان لابس الجلابية البيضاء (صلاة العيد)".

