بينما كانت الأبواق الإعلامية الرسمية في مصر تحتفي بافتتاح المتحف المصري الكبير وتصفه بـ"الحدث العالمي"، كانت الأرقام الفعلية تروي قصة مختلفة وأقل بريقًا. إن تسجيل 18 ألف زائر فقط في اليوم الأول من افتتاح أضخم متحف في العالم لآثار حضارة واحدة يمثل بداية متواضعة بشكل صادم.

وتزداد هذه الصدمة عمقًا عند مقارنة هذا الرقم ليس فقط بالأداء اليومي للمتاحف العالمية الكبرى، بل بنجاح معارض الآثار المصرية المؤقتة في الخارج، والتي يثبت الإقبال عليها أن السحر المصري لا يزال حيًا، لكن ربما ليس في متناول المصريين أنفسهم.
 

بداية باهتة لا ترقى لمستوى التوقعات
يُعد اليوم الافتتاحي لأي مشروع ثقافي هو يوم الذروة الذي تتجه إليه الأنظار، ويُفترض أن يشهد أعلى نسبة إقبال جماهيري.
ومع ذلك، فإن تحقيق 18 ألف زائر فقط في اليوم الأول لافتتاح المتحف المصري الكبير لا يمكن اعتباره نجاحًا.

هذا الرقم لا يعكس حجم الدعاية الحكومية الهائلة التي سبقت الافتتاح، بل يشير إلى وجود فجوة عميقة بين الطموحات الرسمية والاستجابة الفعلية من الجمهور، سواء المحلي أو الأجنبي.
 

مقارنة تفضح ضعف الإقبال
عند وضع رقم الـ 18 ألف زائر في سياقه العالمي، تتضح الصورة بشكل أكبر.
فالعديد من المتاحف الكبرى في العالم تحقق أرقامًا تفوق ذلك بكثير في أيامها العادية، ومنها متحف اللوفر (حوالي 25 ألف زائر يوميًا) ومتاحف الفاتيكان (25 ألف زائر يوميًا) والمتحف الوطني الصيني (30 ألف زائر يوميًا).

هذه المقارنة وحدها كافية لإثبات أن أداء اليوم الافتتاحي كان أقل من المستوى الدولي المأمول.
 

مفارقة إيطاليا: "الإيطاليون يتسابقون على كنوز الفراعنة"
تتجلى المفارقة الأكبر عند النظر إلى معرض "كنوز الفراعنة" الذي أقيم في قاعة سكوديري ديل كويرينالي في إيطاليا. قبل حتى أن يفتتح الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا المعرض رسميًا، كانت الأرقام تتحدث عن قصة نجاح منقطعة النظير.
فقد تم بيع أكثر من 50 ألف تذكرة مسبقًا، في ظاهرة وصفتها الصحافة الإيطالية بأنها سباق محموم من الإيطاليين لرؤية كنوز مصر.
 

هذه المقارنة تحمل دلالات قاسية:

  • حجم الإقبال: معرض مؤقت في الخارج يبيع مسبقًا ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد الذين حضروا اليوم الافتتاحي لأكبر متحف دائم في مصر.
  • طبيعة الحدث: لم يكن الحدث في إيطاليا افتتاحًا لمتحف دائم، بل معرض مؤقت، مما يعني أن الحماس كان وليد اللحظة والترويج الفعال.
  • الجمهور المستهدف: أثبت الإيطاليون شغفهم الحقيقي بالحضارة المصرية، بينما يبدو أن الجمهور في مصر، وهو صاحب الحضارة، كان إما غير قادر أو غير راغب في المشاركة بنفس الحماس في افتتاح صرحه الثقافي الأهم.
     

تحليل الأسباب: لماذا فشل الداخل ونجح الخارج؟
لا يمكن تفسير هذا التباين إلا من خلال النظر في السياسات المتبعة.
فبينما نجح منظمو معرض إيطاليا في خلق حالة من الشغف وجعل التذاكر في متناول الجمهور، يبدو أن إدارة المتحف المصري الكبير قد ارتكبت أخطاء استراتيجية فادحة.

إن ارتفاع أسعار التذاكر بشكل مبالغ فيه بالنسبة للمواطن المصري العادي، بالإضافة إلى احتمالية وجود تعقيدات في عملية الحجز، قد حول المتحف من مشروع وطني شعبي إلى معلم نخبوي موجه للسياح الأثرياء والأقلية المقتدرة.

النتيجة هي أن كنوز مصر تحقق نجاحًا جماهيريًا ساحقًا عندما تُعرض في الخارج، لكنها تفشل في جذب أصحابها على أرضها بنفس القدر.
إنها شهادة على أن الشغف بالحضارة المصرية عالمي، لكن السياسات المحلية قد تكون هي العائق الأكبر أمام احتفاء المصريين أنفسهم بتاريخهم.نجح في جذب الأعداد التي تليق بأهميته وقيمته التاريخية.