يستعرض الكاتب أحمد فؤاد الخطيب في مقاله بـذي أتلانتيك تعقيدات المشهد في غزة بعد توقف القتال مؤقتًا، مشيرًا إلى أن فرص السلام تتضاءل مع عودة حماس إلى فرض سيطرتها على القطاع. في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، طرح الملك عبد الله الثاني سؤالًا حرجًا: "ما هو تفويض القوات الأمنية داخل غزة؟" وأوضح أن حفظ السلام قد يكون ممكنًا، أما فرضه بالقوة فلن يجرؤ أحد على خوضه.
يرى الخطيب أن كلام الملك يعكس المأزق العربي المعتاد: دعم لفظي للفلسطينيين دون استعداد فعلي للتدخل، إذ لا ترغب أي دولة عربية أو إسلامية في نشر قواتها بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، خشية أن تُتهم بالعداء ضد تنظيم يحظى بدعم شعبي واسع داخل مجتمعاتها. في الوقت ذاته، تتعثر عملية وقف إطلاق النار، خصوصًا في بند نزع سلاح حماس الذي يشكّل جوهر خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة لإعادة إعمار غزة.
يشير المقال إلى أن حماس استعادت السيطرة الكاملة على المناطق الغربية من القطاع، وبدأت حملة عنيفة ضد العشائر والمعارضين باستخدام الإعدامات العلنيو. تستغل الحركة الهدوء النسبي لجمع الذخائر غير المنفجرة لإعادة تسليح نفسها، وترميم أنفاقها، وإعادة بناء شبكات القيادة والسيطرة. كما تسعى لفرض نفوذها على اللجنة التقنية المكلفة بإدارة شؤون القطاع خلال المرحلة الانتقالية.
هذا السلوك، بحسب الخطيب، يضع الهدنة على حافة الانهيار. فإذا اقتنعت إسرائيل بأن الوضع يعود إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر، فلن تستطيع واشنطن منعها من استئناف الحرب. حتى ترامب نفسه لوّح بأن التزامه بإنهاء الصراع مرهون بتجريد حماس من السلاح وامتثالها للاتفاق.
يشرح الكاتب أن المداولات الدولية تنقسم حول مسألة نزع السلاح: فريق يرى أن الحل السياسي يجب أن يسبق تفكيك الترسانة لضمان الشرعية، وفريق آخر يرى العكس — أن السياسة لا تستقيم في ظل السلاح. الفريق الثاني، برأيه، أكثر واقعية، لأن أي عملية سياسية تحت سيطرة حماس ستفشل، ما لم يُجرَّد التنظيم من مصدر قوته الوحيد: ترسانته وأنفاقه.
لكن الأزمة تكمن في غياب الجهة القادرة على تنفيذ هذه المهمة. السلطة الفلسطينية ضعيفة، والميليشيات المحلية الموالية لإسرائيل لا تملك القوة الكافية، وسكان غزة المنهكون لا يجرؤون على التمرد، بينما يظل وجود قوة دولية مستقرة أقرب إلى الخيال السياسي. من هنا يقترح الخطيب حلاً مثيرًا للجدل: الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة (Private Military Contractors) لتنفيذ مهام التفكيك والاستقرار.
يوضح أن هذه الشركات يمكن أن تشكّل الذراع الضاربة للقوة الدولية، لأنها تمتلك خبرات قتالية ولوجستية عالية وتتحرك دون قيود سياسية معقّدة. تستطيع الوحدات التابعة لها خوض معارك ميدانية محدودة من دون اللجوء إلى قصف جوي شامل، ما يقلّل من الخسائر بين المدنيين. ورغم سجلها المثير للجدل — مثل تجربة بلاك ووتر في العراق — فقد كانت هذه الشركات جزءًا من عمليات نفذتها الولايات المتحدة والناتو ودول عربية وأفريقية.
يشير الكاتب إلى أن الشركات العاملة قرب المدنيين تُخضع أفرادها لتدريبات مكثفة في حقوق الإنسان ومكافحة الاتجار بالبشر، وتلزمهم بمدونات سلوك صارمة، ما يجعلها أكثر احترافية في إدارة المناطق الحساسة. ويذكر أنه شاهد بنفسه في إحدى مهام الإغاثة بغزة كيف تداركت إحدى الشركات أخطاءها الميدانية، ونجحت في تحسين انضباطها واحترامها للمدنيين.
يقترح الخطيب أن تبدأ هذه القوات الخاصة بتطهير المناطق التي ما زالت تحت السيطرة الإسرائيلية من أسلحة حماس وأنفاقها، ثم تسلّمها إلى قوات عربية ودولية لحفظ الأمن. بعدها تتقدّم تدريجيًا إلى عمق غزة، فتطهر المناطق وتؤمّنها قبل نقل إدارتها إلى السلطة المؤقتة. وبمجرد استقرار الوضع، يمكن البدء في إزالة الركام وإعادة الخدمات الأساسية، تمهيدًا لإعادة الإعمار.
يختم الكاتب مقاله بالتأكيد أن شعب غزة لا يحتاج وعودًا جديدة بقدر ما يحتاج حلولًا واقعية. ويرى أن الشركات العسكرية الخاصة — رغم سمعتها المتناقضة — قد تكون الخيار العملي الوحيد لتطبيق استراتيجية “التطهير، السيطرة، والبناء”، وهي الاستراتيجية التي قد تُخرج غزة من فوضى المليشيات وتعيد إليها الأمن المفقود. حينها فقط يمكن للفلسطينيين أن يبدأوا في بناء مستقبل يستحقونه بعيدًا عن سلاح حماس وهيمنة الاحتلال.
https://www.theatlantic.com/international/2025/11/gaza-israel-peace-hamas/684800/

