أعلنت وزارة الداخلية في غزة سيطرتها الكاملة على ما وصفتها بـ"المليشيات المسلحة التابعة للاحتلال"، مؤكدة اعتقال العشرات من عناصرها ومواصلة عمليات التمشيط لتأمين الأحياء والمناطق المتضررة.
وقالت مصادر أمنية لقناة إن الأجهزة الأمنية تمكنت من إنهاء التمرد المسلح الذي قادته مجموعات مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي داخل المدينة، بعد اشتباكات عنيفة شهدتها عدة مناطق خلال الساعات الماضية، أسفرت عن مقتل عدد من المسلحين المتهمين بالتورط في عمليات إعدام لنازحين وتعاون مباشر مع قوات الاحتلال خلال الحرب الأخيرة.
وأضافت المصادر أن القوات الأمنية اعتقلت نحو 60 عنصراً من أفراد تلك المليشيات، وتم نقلهم إلى مواقع آمنة لاستكمال التحقيقات معهم تمهيداً لتقديمهم للعدالة، مؤكدة أن "الأمن في غزة خط أحمر، ولن يُسمح لأي جهة مسلحة بالعبث باستقرار المجتمع أو استهداف المقاومة من الداخل".
اشتباكات وحصار محكم
وكانت الاشتباكات قد اندلعت أمس الأحد، بعد رصد تحركات مسلحة لمجموعات تنتمي لما يُعرف بـ"مليشيا أبو الشباب"، وهي جماعة وُجهت إليها اتهامات بارتكاب جرائم قتل ونهب وسرقة للمساعدات الإنسانية خلال فترة الحرب، بدعم مباشر من الاحتلال.
وأفاد مصدر قيادي بوزارة الداخلية أن القوات الأمنية فرضت طوقاً أمنياً على معاقل المليشيا في مدينة غزة، وتمكنت من تفكيك عدد من بؤرها المسلحة خلال عملية خاطفة شاركت فيها وحدات التدخل السريع والدعم الميداني، مشدداً على أن العملية الأمنية "جاءت لحماية المواطنين وردع كل من تسوّل له نفسه تهديد الأمن الداخلي".
وأشار المصدر إلى أن عناصر المليشيا أطلقت النار على نازحين أثناء عودتهم من جنوب القطاع إلى منازلهم في مدينة غزة، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى، وهو ما زاد من إصرار الأجهزة الأمنية على إنهاء وجود هذه التشكيلات المسلحة بشكل كامل.
بيان رسمي وفتح باب العفو
وفي بيان رسمي صدر في وقت لاحق، أعلنت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة عن بدء تنفيذ إجراءات أمنية ومجتمعية واسعة تهدف إلى "استعادة الأمن والاستقرار في القطاع بعد انتهاء الحرب"، مؤكدة في الوقت نفسه فتح باب التوبة والعفو العام أمام كل من التحق بالعصابات المسلحة ولم يتورط في ارتكاب جرائم قتل.
وأوضح البيان أن المهلة الممنوحة لتسليم النفس تبدأ من صباح اليوم الاثنين وحتى نهاية الأحد 19 أكتوبر 2025، مؤكداً أن من يسارع إلى تسوية وضعه القانوني سيتم إغلاق ملفه بشكل نهائي، ضمن إطار وطني يهدف إلى الحفاظ على وحدة الصف الداخلي وتعزيز الجبهة الداخلية.
وجاء في البيان أن "فتح باب العفو العام يأتي انطلاقاً من قيم العدالة والمسؤولية الوطنية، وحرصاً على تجنيب المجتمع مزيداً من الانقسام، واستعادة النظام العام بما يحفظ كرامة المواطن وهيبة القانون".
تحذيرات حازمة من الداخلية
وحذرت وزارة الداخلية جميع المطلوبين من الاستمرار في مخالفة القانون أو رفض تسليم أنفسهم، مؤكدة أن الأجهزة الأمنية ستتعامل بحزم مع أي محاولة لزعزعة الأمن أو تهديد السلم الأهلي، وأنه لن يُسمح تحت أي ذريعة بالمساس بحقوق المواطنين أو الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة.
ويأتي هذا البيان في وقت تواصل فيه القوات الأمنية انتشارها المكثف في الأحياء الشمالية والوسطى من القطاع، لتأمين المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، وضمان عودة مئات الآلاف من النازحين إلى منازلهم في أجواء آمنة ومستقرة.
خلفيات ودلالات سياسية
وتشير مصادر مطلعة إلى أن المليشيات التي ظهرت مؤخراً في غزة كانت قد تلقت دعماً لوجستياً واستخبارياً من الاحتلال خلال الشهور الماضية، بهدف ضرب وحدة الصف الداخلي وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية.
ومن بين أبرز تلك المجموعات ما يُعرف بـ"مجموعة ياسر أبو الشباب"، التي نشطت ضد المقاومة وشاركت في عمليات اغتيال وتعاون مباشر مع قوات الاحتلال خلال اجتياحاتها البرية الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، أثار الجدل تصريح الإعلامي الإماراتي محمود البلوشي عبر منصة "إكس"، الذي كتب فيه مخاطباً ياسر أبو الشباب قائلاً: "إلى بطل المهمات الصعبة.. غزة ضاقت، وأبوظبي بانتظارك"، في إشارة اعتبرها مراقبون "استفزازية وداعمة للعمالة ضد الشعب الفلسطيني".
إلى بطل المهمات الصعبة ياسر أبو الشباب
— محمود البلوشي 🇦🇪 (@mmaahmood11) October 10, 2025
غزة ضاقت،
وأبوظبي عاصمة العروبة بانتظارك وترحب بك من الآن 🇦🇪 pic.twitter.com/hBAx1Je4Lx
ويُذكر أن ياسر أبو الشباب وُصف من قبل المقاومة بأنه "خائن مسلح وداعم للاحتلال"، فيما تُتهم الإمارات بلعب دور سياسي وإعلامي في دعم الخطاب المناهض لحركة حماس والمقاومة داخل غزة، بما يتقاطع مع المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
عودة الأمن والحياة تدريجياً
وبينما تستمر العمليات الأمنية لاعتقال الفارين من عناصر المليشيات، تؤكد مصادر ميدانية أن الهدوء عاد إلى معظم أحياء مدينة غزة، مع انتشار قوات الشرطة والأمن الوطني في الشوارع وإعادة فتح الطرق الرئيسية التي كانت مغلقة خلال الاشتباكات.
ويأتي ذلك بالتزامن مع عودة أكثر من نصف مليون نازح إلى شمال القطاع ومدينة غزة منذ إعلان وقف إطلاق النار، وسط جهود مكثفة من السلطات المحلية لتأمين المساعدات الإنسانية وتنظيم عودة الخدمات الأساسية تدريجياً.
وأكدت وزارة الداخلية أنها ماضية في "فرض النظام بالقانون"، وأن غزة "لن تكون مرتعاً للخارجين عن القانون أو العملاء"، مشددة على أن "المجتمع الفلسطيني أثبت مجدداً وحدته وصلابته في وجه محاولات الاختراق والفتنة".