بالرغم من الزخم الدولي الكبير المحيط بـ قمة شرم الشيخ للسلام المنعقدة اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025، فإن الحدث يبدو في جوهره أقرب إلى عرض دبلوماسي بلا أطراف الصراع، ومحاولة لإخراج مشهد سياسي مزيَّن بالعناوين الكبرى يخفي خلفه واقعًا أكثر تعقيدًا.

فبينما تُروَّج القمة على أنها تتويج لاتفاق تاريخي لوقف الحرب في غزة، تكشف تفاصيلها عن اجتماع بلا حماس ولا نتنياهو، أي بلا الفلسطيني المقاوم ولا الإسرائيلي المعتدي، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول معنى "السلام" الذي يُحتفى به في منتجع البحر الأحمر.
 

قمة بلا أطراف… واحتفال بمن غابوا
تستضيف مصر القمة برئاسة مشتركة بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور أكثر من عشرين زعيمًا ومسؤولاً دوليًا. غير أن المشهد، رغم بريقه الدبلوماسي، يفتقد أهم ما يمنحه الشرعية: الطرفين اللذين خاضا الحرب.

فقد أعلنت حركة حماس بوضوح أنها لن تشارك في القمة، مؤكدةً أن دورها انتهى عند طاولة المفاوضات وليس في مراسم احتفالية تُعقد لتسويق الإنجاز أمام الكاميرات. وأوضح عضو مكتبها السياسي حسام بدران أن القمة "ليست للتوقيع بل للاحتفال"، وأن المقاومة فضّلت الابتعاد عن أجواء الاستعراض حفاظًا على كرامتها السياسية وموقفها المقاوم.

في المقابل، تغيب إسرائيل رسميًا بغياب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الذي رفض الحضور رغم دعوة واشنطن. ويصف مراقبون غيابه بأنه "احتجاج صامت" على محاولة فرض أجندة تتضمن بحث حل الدولتين وإعادة الإعمار بإشراف دولي — وهي قضايا يرفض نتنياهو الخوض فيها علنًا. وتشير تقارير إلى أن القاهرة نفسها لم تُبدِ حماسًا لدعوته، بسبب رفض شعبي عربي واسع لظهوره بعد حرب الإبادة التي شنها على غزة.
وهكذا، يلتقي الزعماء في قمة عنوانها "السلام"، بينما يغيب عنها من دفعوا ثمن الحرب ومن أشعلوها معًا، لتتحول القاعة إلى منصة لتبادل الخطابات بدل صناعة قرارات حقيقية.
 

مشهد استعراضي لتجميل الواقع
تضم القمة قادة من الأردن وقطر وتركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وممثلين عن دول الخليج. ويُراد لهذا الحشد الدولي أن يمنح المؤتمر طابعًا تاريخيًا، لكن جوهر النقاش لا يتجاوز إعلان وقف إطلاق النار الذي تحقق فعليًا بوساطة مصرية وقطرية منذ أسابيع، وليس نتيجة "قمة شرم الشيخ" ذاتها.

ورغم ذلك، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقديم نفسه كمهندس للسلام، عبر مبادرته التي فرضها على الأطراف المتحاربة تحت شعار "الاستقرار قبل السياسة". غير أن المراقبين يرون في هذا التوجه محاولة لإجهاض المقاومة الفلسطينية وإعادة صياغة الوضع في غزة بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية — أي أمن بلا سيادة، ومساعدات بلا استقلال.

حتى نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس صرّح بأن "الضغط الدائم ضروري لاستقرار غزة"، وهي عبارة تُترجم سياسيًا إلى تكريس الاحتلال بطريقة أكثر نعومة، وتحت مظلة دولية منمقة.
 

حماس: الحاضر الغائب
في المقابل، يظهر الغياب التكتيكي لحماس كأحد أكثر المواقف ذكاءً في المشهد. فالحركة، التي خرجت من حرب طاحنة استمرت لعامين، أدركت أن مشاركتها في قمة يرأسها ترامب — الداعم الأبرز لإسرائيل — ستُفسَّر كتنازل سياسي. لذا آثرت أن تترك للوسطاء المصريين والقطريين إدارة المشهد الرسمي، بينما تحافظ هي على صورتها كقوة مقاومة لا تخضع للإملاءات الأمريكية.

هذا الموقف يعكس نضجًا سياسيًا لافتًا؛ فحماس تعرف أن حضورها في مؤتمرٍ كهذا لن يغير شيئًا في المعادلة، بل سيُستخدم لتلميع أطراف تسعى لترويضها. وقد اكتفت بتأييدها للاتفاق كخطوة إنسانية لوقف نزيف الدم، مؤكدة أن الهدنة ليست نهاية الصراع بل محطة لإعادة ترتيب صفوفها وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني.
 

سلام بلا مضمون
الأجندة الرسمية للقمة تتحدث عن "تثبيت وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات، والانسحاب الإسرائيلي، وإعادة الإعمار"، لكن واقع الميدان في غزة يقول إن شيئًا من ذلك لم يتحقق بعد. فالقوات الإسرائيلية ما زالت متمركزة في مناطق عدة، والدمار الإنساني والبيئي يحتاج إلى سنوات من التعافي، فيما لا تزال تهديدات قادة اليمين الإسرائيلي — كإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش — تدعو صراحة لاستئناف الحرب بعد إتمام صفقة الأسرى.

ولذلك، يرى المراقبون أن قمة شرم الشيخ تمثل لحظة رمزية أكثر منها تحولًا حقيقيًا، وأنها أقرب إلى "استراحة سياسية" تحاول واشنطن من خلالها ترميم صورة إسرائيل بعد عامين من المجازر، وتلميع النظام المصري كوسيط إقليمي "موثوق"، في وقتٍ تدفع فيه المقاومة الفلسطينية ثمن الدفاع عن كرامة الأمة.

الخلاصة أن قمة شرم الشيخ تُعقد باسم السلام، لكنها تخلو من صانعي الحرب وصانعي الصمود معًا. يجتمع العالم في قاعة فخمة على ضفاف البحر الأحمر، بينما لا يزال رماد غزة يتصاعد في السماء، والناجون يبحثون عن ماء وكهرباء ودواء.

وفي النهاية، يبدو أن "السلام" الذي يُحتفى به في شرم الشيخ سلام بلا مضمون ولا أطراف — احتفال بمن لم يحضر، ومحاولة لتدوير المأساة في خطاب سياسي مفرغ من الحقيقة، فيما تبقى المقاومة الفلسطينية وحدها الحاضر الحقيقي في الغياب.