فوجئ نحو 1200 عامل بالشركة العربية وبولفارا للغزل والنسيج بمحافظة الإسكندرية، بوقف كافة الخدمات الطبية والعلاجية المقدمة لهم عبر هيئة التأمين الصحي، من بينها صرف الأدوية الشهرية لمرضى الأمراض المزمنة، وتجديد البطاقات العلاجية، وحتى جلسات العلاج الكيماوي لمرضى الأورام، وهو ما فجر حالة من الغضب والاستياء بين صفوف العمال.

 

بداية الأزمة

الأسبوع الماضي، توجه أحد عمال الشركة إلى المجمع الطبي بالسيوف عقب إصابته بكسر في الحوض أثناء العمل. لكن إدارة المجمع رفضت استقباله، بعد أن وصلها إخطار رسمي بوقف التعامل مع عمال الشركة نهائيًا. سرعان ما اتضح أن القرار لم يكن فرديًا، بل شمل جميع العاملين، ليُحرم عشرات المصابين بالأمراض المزمنة من العلاج المنتظم، بينهم مرضى التهاب الكبد الوبائي وأمراض القلب والأورام السرطانية.

أحد العمال قال: “أوقفت صرف علاجي الشهري للفيروس الكبدي، واضطررت لشرائه بـ1200 جنيه من جيبي، بينما زملاء آخرون لم يتمكنوا من تدبير ثمن الدواء. نحن ندفع حصتنا من التأمين كل شهر، فلماذا نعاقَب؟”.

 

خلفية مالية معقدة

بحسب تصريحات رئيس اللجنة النقابية بالشركة، عادل سعد محرم، فإن الأزمة تعود إلى تراكم مديونيات ضخمة على الشركة تجاوزت 158 مليون جنيه لصالح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، نتيجة توقف توريد الاشتراكات منذ عام 2018 بسبب التعثر المالي.

محرم أضاف أن هناك دعوى قضائية في مراحلها الأخيرة لبيع قطعة أرض تابعة للشركة، ومن المفترض أن يتم سداد المديونية فور البيع، متسائلًا عن سبب تعجيل الهيئة بقرار وقف الخدمات العلاجية الآن رغم علمها بمسار القضية.

وأكد محرم أن القرار بمثابة “عقوبة جماعية” للعمال الذين لا يتحملون مسؤولية الأزمة: “يُستقطع من رواتبنا اشتراكات التأمين شهريًا، فليس من القانون ولا المنطق حرماننا من حق العلاج.”

 

تحركات نقابية وشكاوى رسمية

اللجنة النقابية بالشركة رفعت عدة شكاوى إلى وزارة الصحة، مجلس الوزراء، النيابة الإدارية بالإسكندرية، والرقابة الإدارية، للمطالبة بالتدخل الفوري وإلزام التأمين الصحي باستئناف الخدمات الطبية وصرف الأدوية.

وفي محاولة لتخفيف الأزمة، تعاقدت اللجنة مع طبيب خاص للكشف على العمال ثلاثة أيام أسبوعيًا، مع تحمل الشركة مؤقتًا تكلفة الروشتات وصرف العلاج عبر مندوب، لكن العمال يؤكدون أن الحل مؤقت ولا يغني عن ضرورة عودة التأمين الصحي.

 

شركة من “رمز صناعي” إلى “أزمة مالية”

الشركة العربية وبولفارا للغزل والنسيج، التي كانت يومًا إحدى قلاع قطاع الأعمال العام، تحولت في 1997 إلى شركة مساهمة خاصة بموجب قانون الاستثمار 159. ورغم ذلك ما زالت الشركة القابضة للغزل والنسيج تمتلك جزءًا من أسهمها، إلى جانب مساهمين آخرين من بينهم بنك ناصر ومصر للتأمين.

لكن أوضاع الشركة تدهورت بشدة خلال العقدين الأخيرين. فقد تم بيع مساحات كبيرة من الأراضي المملوكة لها، وتقلصت الأصول، بينما انحصر نشاطها في إنتاج محدود لحساب الغير، بعد أن بات العملاء يوردون القطن والخامات، ويكتفي العمال بعمليات السحب والتدوير مقابل أجر إنتاجي للشركة. كما تراجع عدد العمال من أكثر من 10 آلاف عامل إلى نحو 1200 فقط اليوم.

 

اتهامات بالفساد الإداري

محرم حمّل الإدارات السابقة للشركة مسؤولية الانهيار، مؤكدًا أن قرارات بيع الأراضي شابها “فساد كبير” حيث جرى البيع بأقل من ربع القيمة الحقيقية آنذاك، مما حرم الشركة من مورد كان كفيلًا بإنقاذها من المديونيات المتراكمة.