كشفت مصادر عن أن الحكومة ستحصل إيرادات الضرائب من الشركات التابعة للجهات السيادية في مصر لترتفع إلى نحو 50 مليار جنيه بنهاية عام 2025، في خطوة وصفت بأنها مرتبطة مباشرة بحزمة التزامات مع صندوق النقد الدولي، تهدف إلى ضم الكيانات المملوكة للدولة — بما فيها الشركات العسكرية والهيئات الاقتصادية — إلى إطار مالي موحّد، ووقف الإعفاءات السابقة، وتحسين الإفصاح الضريبي والمالي.
وتشير وثائق وتحليلات دولية إلى أنّ توسيع الوعاء الضريبي ودمج الكيانات العامة وتعزيز الشفافية من بين ركائز مراجعات الصندوق لبرنامج مصر خلال عامي 2024 و2025، مع تأكيد متكرر على إنهاء المعاملة التفضيلية للشركات المملوكة للدولة وتطبيق قواعد موحدة للضرائب والموازنة العامة.
ما القرار وما علاقته بالصندوق؟
يندرج التوسع في تحصيل الضرائب من كيانات الجهات السيادية ضمن أجندة “تعبئة الإيرادات المحلية” وتوسيع القاعدة الضريبية التي شدد عليها صندوق النقد الدولي خلال المراجعات الأخيرة لبرنامج مصر.
ويشمل ذلك إدخال الكيانات المملوكة للدولة تحت نفس القواعد الضريبية والمالية، ونشر تقارير إنفاق ضريبي شاملة، وإنهاء الإعفاءات الخاصة التي كانت تتمتع بها بعض المؤسسات.
تُظهر بيانات الصندوق الرسمية ومنشورات مراجعات عام 2025 أن تحسين الشفافية المالية وتوحيد الإشراف على الكيانات العامة يمثلان شرطًا محوريًا لاستمرار التمويل، مع أهداف محددة لتحقيق الفائض الأولي وضبط الإنفاق، ما يجعل رفع حصيلة الضرائب من هذه الكيانات جزءًا من ضمان تحقيق الأهداف المالية للحكومة المصرية.
وفي تقرير بعثة الصندوق خلال 2024/2025، ورد نصًا أن هناك حاجة إلى “توسيع الوعاء الضريبي وتحسين إجراءات الضرائب والجمارك”، وذلك في إطار برنامج بقيمة 8 مليارات دولار تم تعزيزه ومراجعته خلال تلك الفترة، ما يربط بوضوح بين السياسات الضريبية الحالية وبين التزامات البرنامج الجارية مع الصندوق.
مخاطر وسلبيات محتملة
1. تقنين السيطرة بدل تقليصها:
دمج الشركات في نظام الضرائب والموازنة قد يتحول إلى “تقنين” لاستمرار النفوذ بدلاً من الحدّ منه، إذا لم يُقترن بإفصاح كامل وحوكمة تنافسية.
تحليلات مستقلة حذّرت من ميل بعض المؤسسات الدولية إلى التكيّف مع استمرار الدور الاقتصادي للعسكر، مع بطء الإصلاحات الهيكلية المتفق عليها منذ عامي 2022 و2024.
2. قابلية التلاعب وضعف الإفصاح:
انتقدت دراسات حديثة أن تقارير الضرائب والإنفاق الضريبي الحكومية لا تزال دون المطلوب، ما يبقي مخاطر تجزئة البيانات وتعدد الحسابات خارج الموازنة، وبالتالي عدم عكس الأرقام للربحية الفعلية أو حجم النشاط الاقتصادي الحقيقي.
3. ترحيل العبء إلى المستهلك:
مع استمرار اعتماد الحصيلة الضريبية على الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة، تشير تقارير بحثية إلى اختلال في العدالة الضريبية، حيث يتحمّل المستهلكون والموظفون نسبة كبيرة من الإيرادات مقارنة بضرائب أرباح الشركات، ما يعني أن أي فجوات في تحصيل الضرائب من الكيانات السيادية قد تُعوَّض بعبء غير مباشر على المواطنين.
ماذا تعني 50 مليار جنيه عن حجم اقتصاد الشركات السيادية والعسكرية؟
النسبة الضريبية وحدها لا تسمح باشتقاق صافي الأرباح أو حجم النشاط الكلي، إذ تشمل الحصيلة ضرائب على الدخل، والأرباح، والقيمة المضافة، والدمغة، والجمارك، ورسومًا أخرى، إلى جانب وجود إعفاءات أو ترتيبات خاصة تاريخيًا لبعض الكيانات.
لذلك لا يمكن استنتاج حجم أرباح الجيش أو الشركات السيادية مباشرة من رقم الحصيلة دون نشر قوائم مالية مجمعة ومدققة.
على مستوى السياسات، شدّد صندوق النقد على توحيد قواعد الضرائب وإنهاء الإعفاءات، ونشر تقارير إنفاق ضريبي شاملة، وهو ما إن تحقق سيوفر قاعدة بيانات أدق لتقدير حجم الربحية والنشاط عبر القطاعات المختلفة.
لكن حتى الآن، تظل الفجوات في الشفافية تحديًا كبيرًا أمام تقدير حجم “اقتصاد الجيش” بدقة من رقم 50 مليار جنيه وحده.
هل يدعم القرار المنافسة العادلة أم يرسّخ التفاوت؟
يدفع الصندوق نحو “تسوية الملعب” بين القطاعين العام والخاص عبر إنهاء الامتيازات وتوحيد القواعد الضريبية والجمركية.
غير أن تحقيق هذا الهدف يتوقف على التنفيذ العملي ونشر البيانات وطرح حصص حقيقية للبيع العام وفق سياسة ملكية الدولة، وهي الخطوات التي أعلنت الحكومة المضي فيها ضمن برنامج الطروحات الذي يضم حتى شركات عسكرية محددة خلال عامي 2025–2026.
نجاح التحول يتطلب إدراجًا كاملاً للموازنات والقوائم المالية في إطار موحد، مع رقابة برلمانية وتدقيق مستقل، ونشر تقارير نصف سنوية عن الإعفاءات الضريبية.
هذه المتطلبات منصوص عليها ضمن مراجعات الصندوق، غير أن عدم تنفيذها بالكامل سيبقي مخاطر التفاوت والتداخل بين الأدوار قائمة.
من يتحمّل الكلفة النهائية؟
تاريخيًا، تميل بنية الإيرادات في مصر إلى اعتماد مرتفع على ضريبة القيمة المضافة والضرائب غير المباشرة.
وتشير قراءات بحثية حديثة إلى أن المستهلكين والعمال يمولون قرابة نصف الحصيلة، بينما لا تتجاوز مساهمة ضرائب الشركات عُشر الحصيلة الإجمالية تقريبًا.
وبذلك، فإن أي فجوات في التحصيل من الكيانات الكبرى غالبًا ما تُعوّض عبر ضرائب غير مباشرة تؤثر على الأسعار والقوة الشرائية.
لذا، ما لم يُستكمل دمج الكيانات السيادية في نظام ضريبي عادل وإلغاء الإعفاءات، مع توسيع ضرائب الدخل على الأرباح الرأسمالية والريعية، سيبقى خطر ترحيل العبء إلى المستهلك قائمًا عبر قنوات الأسعار غير المباشرة.
وأخيرا فرفع تحصيل الضرائب من شركات الجهات السيادية إلى نحو 50 مليار جنيه يُعد خطوة مرتبطة بوضوح بشروط برنامج صندوق النقد لتوسيع الوعاء الضريبي وتوحيد المعاملة بين العام والخاص.
لكن هذه الخطوة لا تكشف وحدها عن حجم أرباح أو نشاط اقتصاد الجيش بسبب غياب الإفصاح التفصيلي وتعدد أنواع الضرائب المشمولة في الحصيلة.
الفوائد المحتملة تتوقف على تنفيذ شفاف وحوكمة قوية تتضمن نشر القوائم والتقارير الضريبية بوضوح، وإلا سيتحول الإجراء إلى تقنين لوضع قائم مع احتمال استمرار امتيازات غير معلنة، وربما ترحيل عبء التحصيل إلى المواطنين عبر الضرائب غير المباشرة.