أثار تصريح الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق موجة من الجدل بعد أن نشر عبر صفحته الرسمية تعليقًا لاذعًا على تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي التي قال فيها إن الحكومة أنفقت "مليارات الجنيهات لتحسين مستوى معيشة الإنسان المصري".
ورد توفيق قائلًا: "مدبولي: أنفقنا مليارات الجنيهات لتحسين مستوى معيشة الإنسان المصري... ومؤشر جودة الحياة: مصر في المركز ٨٥ من ٨٩ دولة. رجاء حار: الله يخليكم، كفاية إنفاق لغاية كده."
تصريح توفيق جاء معبّرًا عن حالة سخط شعبي متزايدة من الفجوة بين الخطاب الحكومي المليء بالإنجازات الرقمية وبين الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطن المصري يوميًا، في ظل تضخم قياسي، وتراجع القدرة الشرائية، وارتفاع الأسعار دون تحسن ملموس في الخدمات العامة.
وعود بالرفاهية وواقع من المعاناة
منذ سنوات، تتحدث الحكومة عن تنفيذ مشروعات قومية ضخمة، معتبرة أنها ركيزة لتحسين حياة المواطن، من بينها مشروعات الإسكان، والطرق، والمناطق الصناعية. غير أن المؤشرات الدولية، وعلى رأسها مؤشر جودة الحياة العالمي لعام 2024، تضع مصر في مرتبة متأخرة (85 من أصل 89 دولة)، ما يعكس ضعف الأثر المباشر لهذه الاستثمارات على حياة الناس.
يرى خبراء الاقتصاد أن المشكلة ليست في حجم الإنفاق، بل في سوء توجيهه وغياب الأولويات. فبينما تُخصص المليارات للبنية التحتية والمشروعات الكبرى، لا تزال قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأساسية تعاني من تدهور حاد، الأمر الذي يجعل المواطن لا يشعر بأي تحسن في مستوى المعيشة، رغم الأرقام الضخمة التي تُعلنها الحكومة في المؤتمرات الرسمية.
أرقام لا تنعكس على الواقع
وفقًا لتقارير اقتصادية مستقلة، ارتفع الدين العام المصري إلى مستويات غير مسبوقة، مع اعتماد متزايد على الاقتراض الخارجي وتمويل المشروعات من خلال الديون. ويشير مراقبون إلى أن هذا النهج جعل الإنفاق الحكومي يبدو ضخمًا في ظاهره، لكنه في الواقع يحمّل الأجيال القادمة عبء الفوائد والقروض دون عائد إنتاجي حقيقي.
كما أن نسبة الفقر – وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – لا تزال تدور حول 29.7% من السكان، بينما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بأكثر من 120% خلال العامين الأخيرين، ما أضعف القوة الشرائية للمواطن وأدى إلى اتساع الفجوة الطبقية.
في المقابل، تروج الحكومة لإنجازات تتعلق بالمشروعات القومية الكبرى كالعاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات الطرق والكباري، بينما يرى منتقدون أن هذه المشروعات لم تُترجم إلى تحسين في جودة التعليم أو الرعاية الصحية أو الخدمات العامة، وهي الجوانب التي تمس الحياة اليومية للمواطن بشكل مباشر.
توفيق: كفاية إنفاق
رسالة هاني توفيق جاءت موجزة لكنها محمّلة بالدلالات: فحين يطالب خبير اقتصادي بارز الحكومة بـ"التوقف عن الإنفاق"، فهو لا يدعو للتقشف بقدر ما يطالب بـوقف الإنفاق غير المنتج وإعادة ترتيب الأولويات.
يشير ذلك إلى أن الأزمة لم تعد في نقص الأموال بل في سوء إدارتها، وهو ما يتفق عليه عدد من الاقتصاديين الذين يرون أن مصر بحاجة ماسة إلى خطة اقتصادية تركز على الإنسان لا الحجر، وعلى التعليم والصحة لا المشاريع الاستعراضية.
بين خطاب الحكومة وصوت الشارع
تأتي تصريحات توفيق في وقت تتصاعد فيه الشكوى الشعبية من تدهور مستوى المعيشة، وارتفاع فواتير الخدمات، وتآكل الأجور أمام موجات الغلاء المتتالية. وعلى الرغم من تأكيد الحكومة أن "تحسين جودة حياة المواطن" هو الهدف الأول، إلا أن المؤشرات والواقع يقولان العكس.
ويبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لحكومة تقول إنها أنفقت المليارات لتحسين المعيشة، بينما يعيش غالبية المصريين على حافة الفقر؟
بين خطاب رسمي مفعم بالأرقام، وواقع يعج بالشكوى، تبرز دعوة هاني توفيق كصرخة تحذير: "كفاية إنفاق... وابدأوا إصلاحًا حقيقيًا يمس حياة الناس."