بينما تظل الأنظار العالمية مركزة على تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، تتعرض هدنة أخرى في المنطقة للخطر.
تم تعليق الحرب التي استمرت 14 شهرًا بين الاحتلال الصهيوني وحزب الله بفضل هدنة توسطت فيها الولايات المتحدة في أواخر نوفمبر.
كما مهد الاتفاق الطريق لإنهاء سنوات من الجمود السياسي في بيروت.
وقد شكل لبنان حكومة جديدة أخيرًا، واختير قادتها بناءً على وعودهم بإجراء إصلاحات وليس على انتماءاتهم الطائفية، لكن مستقبل هذه الهدنة يضعهم أمام أزمة فورية.
كانت الهدنة الأصلية التي استمرت 60 يومًا تهدف إلى منح الجانبين الوقت للتفاوض على هدنة أطول.
وفقًا للاتفاق، كان من المفترض أن تنسحب قوات الاحتلال الصهيوني بالكامل من أجزاء من جنوب لبنان التي غزتها في أكتوبر، بينما وافق حزب الله على نقل مقاتليه وأسلحته شمال نهر الليطاني، على بعد حوالي 25 كيلومترًا من الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة.
وكان من المقرر أن يسمح هذا الانسحاب المتبادل للجيش اللبناني بالانتشار في جنوب لبنان.
ومع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني، أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو أنها لن تلتزم بالانسحاب الكامل، وتم تمديد الهدنة لمدة ثلاثة أسابيع حتى 18 فبراير.
ومع انتهاء هذا التمديد، ورغم انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من عدد من البلدات والقرى اللبنانية، إلا أنها أبقت على قواتها في خمسة مواقع استراتيجية في جنوب لبنان تمنحها نقاط مراقبة مهمة أو تقع مقابل بلدات في شمال الأراضي المحتلة.
وبينما تصف سلطات الاحتلال الصهيوني وجودها العسكري بأنه "مؤقت"، إلا أنه يمثل احتلالًا للأراضي اللبنانية وقد يؤدي إلى انهيار الهدنة.
وفي خطاب يوم الأحد، حذر نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، من أنه على إسرائيل الانسحاب الكامل بحلول 18 فبراير.
ورغم أنه لم يهدد بشكل مباشر بتجديد الهجمات، إلا أنه قال: "الجميع يعلم كيف يتم التعامل مع الاحتلال."
تأسس حزب الله في الثمانينات بدعم من الحرس الثوري الإيراني لمقاومة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان الذي بدأ بعد الغزو الصهيوني عام 1982 لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
ورغم نجاح الاحتلال الصهيوني في طرد المنظمة والفصائل الفلسطينية الأخرى، إلا أن الاحتلال أدى إلى ظهور أحد ألد أعدائه: حزب الله، الذي خاض حرب عصابات استمرت 18 عامًا وانتهت بانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان عام 2000.
ربما ضعف حزب الله بشدة في الحرب الأخيرة مع قوات الاحتلال الصهيوني، التي اغتالت معظم قياداته البارزة ودمرت جزءًا كبيرًا من ترسانته التي تقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ، لكن كما حدث في السابق، قد تبالغ سلطات الاحتلال الصهيوني في تقدير انتصارها العسكري، خاصة مع فشل الولايات المتحدة في كبح جماح نتنياهو ومنعه من توسيع الحرب إلى لبنان.
وقد أقنع نتنياهو إدارة دونالد ترامب بالسماح للاحتلال الصهيوني بالحفاظ على "وجود عسكري طويل الأمد" في جنوب لبنان، وفقًا لتقارير إعلامية صهيونية.
إذا واصل الاحتلال الصهيوني احتلال أجزاء من لبنان بدعم من ترامب، فإن ذلك لن يهدد فقط بتجدد القتال مع حزب الله، بل سيقوض أيضًا القيادة اللبنانية الجديدة.
تعهد الرئيس الجديد جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام بإعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية وإعادة الإعمار بعد الحرب المدمرة مع الاحتلال الصهيوني ، ونشر الجيش اللبناني في المناطق التي كان يسيطر عليها حزب الله.
لكن أي تأخير في انسحاب الاحتلال الصهيوني سيحدّ من قدرتهم على تنفيذ إصلاحات حاسمة، وسيجعل من الصعب التوصل إلى هدنة دائمة.
استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانية -حتى لو صورته سلطات الاحتلال الصهيوني كإجراء دفاعي لحماية مستوطناتها الحدودية- سيعيق جهود القيادة اللبنانية الجديدة في التصدي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي سبقت الحرب الأخيرة.
بدأت المواجهات بين الاحتلال الصهيوني وحزب الله بعد يوم من هجوم حماس على مستوطنات الاحتلال الصهيوني في 7 أكتوبر 2023، حيث أطلق حزب الله صواريخ على شمال الكيان الصهيوني دعمًا لحلفائه الفلسطينيين ولتشتيت الموارد العسكرية الصهيونية بعيدًا عن غزة.
وعلى مدى 11 شهرًا، تبادلت قوات الاحتلال الصهيوني وحزب الله القصف اليومي، وسط محاولات الحزب لتجنب حرب واسعة يخشى خسارتها.
حتى قبل الحرب الأخيرة، كان لبنان يعاني من أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب الفساد السياسي والنظام الطائفي الذي حكم البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990.
وبدأت الأزمة الاقتصادية في خريف 2019 عندما انهارت البنوك اللبنانية، وفقدت الليرة أكثر من 98% من قيمتها، ووصفها البنك الدولي بأنها من أسوأ الأزمات الاقتصادية عالميًا منذ القرن التاسع عشر.
يواجه القادة الجدد مهمة إعادة بناء الاقتصاد، وإعادة إعمار لبنان بعد الدمار الذي خلفته الحرب مع الاحتلال الصهيوني، في ظل تحديات كبيرة تتمثل في الحفاظ على هدنة هشة ومنع تدخل الجيران الأقوياء في شؤونهم.