بدأت منذ أيام قليلة أول انتخابات رئاسية حقيقية في تاريخ مصر ببدء تصويت المصريين المقيمين بالخارج، في ‏166‏ دولة‏؛‏ حيث لم يتخلَّف أبناء مصر عن واجبهم في المشاركة في كتابة تاريخهم‏ ،وبعد عدة أيام يبدأ التصويت هنا في داخل مصر.

وتأتي هذه الانتخابات التاريخية تتويجًا لاستحقاقات انتخابية أعقبت ثورتنا المباركة؛ ليتم انتخاب أول رئيس لمصر ولأول مرة بإرادة شعبية حرة وبدون إملاءات أو توجيهات من هنا أو هناك في الداخل أو الخارج، وهو ما يعدُّ نقلةً نوعيةً في تاريخ مصر الحديث ويدفعها إلى أن تكون في مصاف الدول الدستورية الديمقراطية الحديثة؛ التي نأمل أن تقود نهضة حقيقية لمصر تزيل عنها عناء عقود من الحكم الدكتاتوري الشمولي الذي أهدر مكانة مصر وقدرها ومقدراتها

وعلى قدر أهمية هذه الانتخابات وخطورتها وتأثيرها في مستقبل مصر على كل الأصعدة، ينبغي لنا جميعًا أفرادًا ومؤسسات وهيئات وأحزابًا وقوى سياسية أن نتحلى بأكبر قدر من تحمل المسئولية على مستوى الأداء الانتخابي والاختيار والتحرك المجتمعي؛ لنحوِّل ذلك الحدث التاريخي والمحوري إلى عرس انتخابي يعبِّر عن وعي شعب مصر وتحضُّره، ولندهش العالم بأدائنا الديمقراطي كما أدهشناه في ثورتنا السلمية العظيمة

فنحن نريد هذا اليوم يوم مرحمة لا يوم ملحمة، نخرج فيه جميعًا للإدلاء بأصواتنا بحرية تامة وبتعاون مطلق بيننا جميعًا بلا شحناء أو بغضاء، كلٌّ يضع صوته بإراته الحرة ليعبر عن اختياراته الحرة لبناء مصر الحرة، ولتكن المنافسة في إطار الحب لوطننا الكبير والتقدير لمختلف المنافسين بلا تجريح أو تخوين أو ممارسات سلبية تؤثر سلبًا في هذا المشهد السياسي التاريخي الرائع الذي طال انتظارنا له

نريد التعاون بين كل المرشحين وأعوانهم ومؤيديهم في إنجاح هذا الاستحقاق بإعطاء القدوة الصالحة والصورة المضيئة في الممارسة السياسية الناضجة، والتعامل الراقي في هذا اليوم، والتصدي لأي ممارسات من هنا أو هناك تحاول إفساد هذا العرس، وليتسابق الجميع في إعطاء الصورة الصحيحة والوضيئة لمصر وشعبها ومرشحيها في تعاونهم لنباء مصر الحديثة واحترام ما ستسفر عنه نتائج الصناديق الانتخابية ما دامت قد جاءت عبر انتخابات حرة ونزيهة ولم يشُبها تزوير في أيٍّ من مراحلها وتقديم التهنئة للفائز، ويتعهَّد من لم يوفَّق بالتعاون التام والمخلص معه خدمةً لمصر وشعبها، فجميعنا شركاء في مسئولية بناء الوطن

فغاية ما نتمناه كمصريين بناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على أسس المواطنة ومبادئها وسيادة القانون والحرية والمساواة والتعددية, بكل أشكالها وأنواعها, والتداول السلمي للسلطة, واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية, وشيوع قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع أبناء الأمة, بلا تمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين؛ فهذه هي فعلاً أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها

وكذلك محاربة الفساد والمفسدين في كل مؤسسات الدولة, مهما كانت مواقعهم وصفاتهم, وسرعة محاكمة المجرمين منهم محاكمةً عادلةً وعاجلةً, وسرعة القصاص للشهداء ورد حقوق المصابين, ومعالجة الوضع المعيشي المتدهور للمواطن وتحسينه، والقضاء على ظاهرة الفقر والبطالة, وإعادة الأمن والأمان للمواطن في كل ربوع مصر, وإعادة تأهيل الأجهزة الأمنية وتغيير مفهومها الخاطئ, كأجهزة قمع واستبداد, واقتصار دورها على حماية الوطن وتوفير الأمان والاستقرار للمواطنين.

نريد من الرئيس القادم أن يرسي قواعد دولة العدالة وسيادة القانون, وأن يكون معبرًا عن الإرادة الشعبية الحرة ومنفذًا لطموحات الشعب وآماله وساهرًا على مصالح وطنه, ومشيعًا للعدل والحرية والمساواة في ربوع الوطن, ومحققًا ومنفذًا لمطالب شعبه, وحريصًا عليها, متقيًا الله في شعبه ووطنه, أمينًا على مصالح الوطن وسلامته واستقراره وتقدمه ورقيه. 

فالمرحلة الحالية تتطلب ما يمكن تسميته بالرئيس المؤسسة الذي يُعلي قيم المؤسسية والشورى واحترام المؤسسات الشعبية المنتخبة والمعبرة عن إرادة الشعب والتعاون معها، وألا يعدُّ نفسه مالكًا لحلول كل المشكلات في كل التخصصات، فقد انتهى زمن الرئيس الملهم الذي يسير بمبدأ "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، وأن يكون جزءًا من الحل لا مصدرًا للأزمات والمشكلات، ومن يعتبر المسئولية الملقاة على عاتقه تكليفًا وليس تشريفًا من تؤرقه ثقل الأمانة فتدفعه للعمل الجاد والمتواصل والتعاون المخلص مع جميع مؤسسات وقوى الوطن لتحقيق نهضة بلاده وتقدم شعبه ورخائه.

الرئيس الذي يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، أو قبل أن يموت وهو غاش لرعيته، فيحاسبه الله على تفريطه في الأمانة حسابًا عسيرًا.

الرئيس الذي يحتوي ويوظف كل ألوان الطيف السياسي المصري ولا يقصي أحدًا على خلفية فكرية أو عقائدية، والذي يسعى لإعادة الاستقرار للبلاد في أقرب وقت ممكن لتدور عجلة الإنتاج والاستثمار وتتحقق البرامج والمشاريع الوطنية الكبرى

الرئيس الذي يحافظ على مكتسبات الثورة ويحقق بقية أهدافها، ويقتص لدماء الشهداء وحقوق المصابين ولا يخشى في الله لومة لائم، ولا يخضع لضغوط أي جهة داخلية أو خارجية تحاول ثنيه عن ذلك أو توجيهه بأية وسيلة ترغيب أو ترهيب كتلك التي كانت تستخدم طيلة عشرات السنين, وكانت تؤتي ثمارها بصورة كبيرة في قرارات الرؤساء.

الرئيس الذي يفجِّر الطاقات الكامنة في نفوس الشعب المصري العظيم، ويوظِّف طاقاته وقدراته الهائلة لبناء مصر، ويستفيد من كل البرامج المطروحة منه ومن غيره وكل الشخصيات والقامات المصرية في مختلف المجالات.

الرئيس الذي يعيد إلى مصر مكانتها المستحقة بين الأمم على كل المستويات والأصعدة والدوائر العربية والإفريقية والإسلامية والدولية، ويتعامل معها على قاعدة الندية وليس التبعية، وعلى أساس التعاون المشترك والحفاظ على كرامة الشعوب في الداخل والخارج؛ مما يعيد لمصر مكانتها الدولية المستحقة كدولة رائدة في العالم وليست تابعة كما جعلها النظام الفاسد السابق

الرئيس الذي يهتم بالتعليم والبحث العلمي وصحة المواطن ويعطيهم الأولوية القصوى في أولوياته؛ لتتحقق نهضة حقيقية على أسس علمية قويمة وإرادة شعبية رشيدة وعزيمة ماضية وهمة عالية، مستفيدًا من علم أبناء مصر النابهين وخبراتهم، في الخارج والداخل، دون تصنيف فكري أو عقائدي أو عرقي.

الرئيس الذي يقف بالمرصاد وبكل قوة وبإعمال صحيح القانون لكل محاولة لإعادة إنتاج أو استنساخ النظام السابق وزبانيته وفاسدية ومفسديه؛ حفاظًا على مصر وشعبها ومستقبل أبنائها

الرئيس... الذي يغلِّب المصالح العليا للوطن على مصالحه الشخصية، ويتعبَّد إلى الله بخدمة وطنه ومواطنيه، ويفرغ غاية وسعه في إعادة بناء مصر ومؤسساتها, ويكون صادقًا مع الله ثم مع نفسه والناس في القسم بالله أن يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة.

الرئيس الذي يزيل آثار تدمير النظام السابق للشخصية والنفسية المصرية، ويرسي قواعد بناء نفوس قوية، تستطيع بناء نهضة حقيقية لبلادها، يقول الإمام الشهيد حسن البنا: "إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلوُّن ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره، على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربَّى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتيّة، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنًا طويلاً"، فعلى مثل هذه المبادئ والقيم والقوى النفسية الكبرى، وعلى أكتاف من يحمل هذه القيم وتلك النفوس تنهض الأمم وتبني مجدها، فهم يحملون العبء بقوة وعزيمة وتضحية؛ لا لشيء إلا لرضا الله ثم مصلحة وطنهم وشعبهم.

لنجعل من هذا العرس الديمقراطي نقطة تحول في تاريخ مصر، ولنتعاون جميعًا مع الرئيس المنتخب انتخابًا حرًّا ونزيهًا، ونقدم له كل وسائل العون، ونقف خلفه في معركة إعادة بناء الوطن، ونقدم له الجهد الحقيقي والنصيحة المخلصة والكفاءات الداعمة.

فلنجعل من يوم انتخاب رئيس الجمهورية نقطة انطلاق نحو بناء مصر الجديدة التي نفتخر ونعتز بها جميعًا ولنجعله يومًا تاريخيًّا يسطّر بأحرف من نور في تاريخها.

فمصر في هذه الفترة المفصلية في تاريخها تحتاج إلى التضافر من الجميع والتوحد خلف المؤسسات الشرعية المنتخبة بإرادة شعبية حرة، وتقديم المعونة الصادقة، والدعم الخالص لوجه الله لها؛ لأن نهضة مصر نهضة لنا جميعًا وتقدمها ورقيها وازدهارها فخر واعتزاز لنا جميعًا.

حمى الله مصر وشعبها، وأعاننا على خدمتها وتقديم كل ما نستطيع لتستردَّ مكانتها بين الأمم، ولنقول لكل شعوب الدنيا: مرحبًا بكم زوارًا ومستثمرين لمصر بعد ثورتها؛ لتروها وهي في ريعان نهضتها في ظل قوله تعالى: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)