قبل نحو 5 أشهر، وتحديدًا في نهاية أكتوبر الماضي، استقبل مصريون السيسي في برلين، وكان السيسي على شكل فأر (ميكي ماوس) الشهير على دبابته (ركيزة حكمه) مصحوبًا بمجسمات لضحايا قمعه في استقبال موكبه، وكان في الوقفة الاحتجاجية أيضًا أعضاء من البرلمان الألماني.

الناشطون المصريون في ألمانيا بذلوا جهودًا لتوصيل أصوات المعتقلين والمختفين قسريًا، وفضح الإجرام الذي يمارسه نظام السيسي في حق مصر والمصريين.

هذه الجهود لم تذهب سدى، بل وصلت إلى أن مسئولين ألمانًا، منهم “بيربيل كوفلر”، مفوضة الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، قالت أثناء زيارة إلى القاهرة – استغرقت 4 أيام من 2 إلى 5 مارس الحالي – إنها التقت مع نشطاء حقوقيين ومديري منظمات حقوقية بعضها ألماني، ومدعومة من برلين.

وكشفت عن أن وضع حقوق الإنسان في مصر تدهور بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأعربت عن شعورها بالقلق، خصوصًا إزاء القيود الهائلة المفروضة على حرية التعبير والتجمّع، وإزاء التعامل بشكل تعسّفي مع وسائل الإعلام المستقلة.

وأكدت أنها ستؤكّد رفض الحكومة الألمانية لعقوبة الإعدام، وستبذل جهدًا لدعم الحقوقيين المصريين.

تصريح بيربيل كوفلر، مفوضة الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية بمناسبة

صحفية ألمانية

وهاجمت الصحفية الألمانية المستقلة رينا نتجيس السيسي، وقالت إنه “يريد التمسك بالسلطة”، ويمارس القمع، واستشهدت ببيان صدر عن منظمة العفو الدولية مؤخرًا يحوي ثلاثة تقارير مفزعة عن حالة حقوق الإنسان في مصر، وارتفاع عدد عمليات الإعدام في مصر بسرعة في عام 2019، تم تنفيذ 15 عملية إعدام. والعديد من المدانين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم.

ورأت أن خطط السيسي لتعديل الدستور لتكون فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات هي خطط “فرعون سيسي الأول”، يريد التشبث بالسلطة.. إنها فكرة جيدة أن ننظر إلى الوراء لأنه في عام 2013 قال إنه شخصيًا، وبالتالي الجيش لا يطمع في منصب الرئيس أبدًا – والآن لديه السلطة المطلقة.

واعتبرت أن السيسي يسعى لتعديل الدستور لحماية نفسه من الملاحقة القضائية، من بين أشياء أخرى بسبب العديد من المذابح، مثل “الأربعاء الأسود” في أغسطس 2013 ضد أنصار الرئيس محمد مرسي، ومقرات الاعتصام في القاهرة والجيزة والتي مات فيها وفقًا لـ”هيومن رايتس ووتش”، 817 شخصًا على الأقل في مذبحة رابعة في القاهرة.

وكشفت عن علمها أنه على المستوى الدولي، يتم إعداد بعض الإجراءات ضد السيسي.

وعبرت عن ألمها من حرارة استقبال أنجيلا ميركل للسيسي في مؤتمر ميونيخ الأمني في منتصف فبراير.

واعتبرته ينشر الأكاذيب، مثل أن مصر استقبلت خمسة ملايين لاجئ قد يعود إلى أوقات التوراة عندما جاء إخوة يعقوب الجياع إلى البلاد.. يسميه هذا المبلغ؛ لأنه يريد إبرام اتفاق للهجرة وبالتالي يغذي الخوف من تدفق اللاجئين.. إنه يريد فقط نفس حصة المال الذي حصلت عليه تركيا عن نفس الملف.

صفقات اللاجئين

ومن جانبه، انتقد خبير الشرق الأوسط المقيم في برلين، ستيفان رول، في مقابلة، المفاوضات الزرقاء مع النظام الاستبدادي في القاهرة، مؤكدًا أن مصر لن تكون قريبًا فقط ممرًّا لعبور اللاجئين، بل دولة منشأ للمهاجرين للذين يرغبون في أوروبا.

وتساءل رئيس مجموعة الأبحاث في الشرق الأوسط وإفريقيا في مؤسسة برلين للعلوم والسياسة، عن مدى النظام الاستبدادي في القاهرة كشريك؟ موضحًا أن ألمانيا تنظر لمصر من عدة جوانب؛ أهمها الهجرة وفرنسا تنظر لمصر من جانب المصالح الاقفتصادية ولديها العديد من صفقات الأسلحة مع مصر، وثالثًا: الحرب الدولية ضد الإرهاب هي أيضًا مصلحة مشتركة.

إلا أن “رول” يرى أنه في السنوات الأخيرة أن أهمية مصر الإقليمية قد انخفضت بشكل حاد بسبب العمالة الزائدة في البلاد، مضيفا أن مصر تسعى للحصول على مساعدات مالية لإنقاذ الدولة من الإعسار. فلم تعد دول الخليج، التي كانت لديها أموال كثيرة في الماضي تصب في مصر، مستعدة لتحويل الأموال بنفس القدر.

وتابع: “عدد القادمين من مصر إلى أوروبا منخفض للغاية. ولكن لا تزال هناك زيادة. كان هناك أيضا هذا الخطاب العدواني للغاية من إدارة السيسي تجاه صانعي القرار في أوروبا. ولوحظ باستمرار عدد المهاجرين غير الشرعيين والمهاجرين غير الشرعيين المحتملين الذين يسكنون مصر، وأنه دائمًا يذكر أن عدد المهاجرين خمسة ملايين مهاجر يعيشون في مصر. وقد خلق ذلك ضغوطا هائلة. والهدف كان الحصول على الأموال الأوروبية، كما تدفقت حوالي ستة مليارات يورو إلى تركيا.

واعتبر “رول” أن إشارة كبار السياسيين في أوروبا مرارًا وتكرارًا إلى أننا نحتاج إلى صفقة مماثلة مع مصر أمر مؤسف للغاية. في أوروبا.
مصر دولة مراقبة. إنها دولة مكتظة بالسكان، ولديها جهاز أمني ضخم وذكاء داخلي. لكن الاستخبارات العسكرية والعسكرية تضمن أيضًا حماية المناطق الحدودية. هذا يعطيك رافعة. من الآمن التعامل مع الأمن، والسماح للمهاجرين غير الشرعيين بالوصول إلى مصر والخروج منها. ولكن يمكنك أيضًا إيقافه تمامًا من خلال حماية المنطقة الساحلية ومنع الناس من الحصول على قوارب على الإطلاق.

صدمة للأوروبيين

واعتبر ستيفان رول أن وفاة الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” في 2016 صدمة للأوروبيين، وخاصة للإيطاليين. لم تكن هناك حالة مماثلة توفي فيها أوروبي بالفعل في مصر بهذه الطريقة. من المعروف أن مثل هذه الجرائم تحدث في مصر وتنفذها قوات أمن الدولة، ولكن فقط للمصريين.

لكنني أود أن أقول إن الغضب لم يكن مستدامًا جدًا. كانت هناك احتجاجات من ايطاليا. كان هناك نداء إلى الجانب المصري لتوضيح جريمة القتل. ومع ذلك، فإنه لم يجلب اضطرابات دائمة للعلاقة بين أوروبا ومصر. لكنها كانت واحدة من الحالات القليلة التي لعبت فيها مصر علانية ببطاقة الهجرة.

برميل بارود

وعن المشكلات الاقتصادية أكد “رول” أن هذه المشاكل تغذي الخوف الرئيسي من الأوروبيين. من المرجح أن يزيد عدد سكان مصر عن 100 مليون نسمة بحلول عام 2020. في الواقع، فإن أعداد المهاجرين الذين يرون مصر كدولة عبور والذين هم عالقون الآن في مصر ليست مرتفعة.

ولكن هناك إمكانية كبيرة للهجرة لأن هذا البلد لا يعمل بشكل جيد اقتصاديًا. خاصة الشباب المصريون لا يرون فرص عمل لأنفسهم. وهناك نقص كبير في الآفاق. كل هذا يجعل مصر يحتمل أن تكون برميل بارود.

وشدد على أن هذا الأمر مشكلة كبيرة لدى اوروبا لأن استراتيجية إدارة السيسي لن تجعل البلد يبدو أفضل في المستقبل. لا أرى أي تحسن اقتصادي يستفيد منه جميع السكان. مطالبا أوروبا بالنظر أبعد من الهدف قصير الأجل المتمثل في إغلاق الحدود وما يرتبط به من دعم من إدارة السيسي، بحيث تركز السياسة في مصر بشكل أكبر على الاستقرار طويل الأجل للبلاد.