بقلم : وائل قنديل
رصيد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لدى المواطن العربي، الطبيعي وليس المسخ، يسمح، ويزيد، بتصديق رواية أنقرة في موضوع إسقاط المقاتلة "سوخوي" الروسية، بعد انتهاكها الأجواء التركية، وعدم استجابتها للتحذيرات المتكررة.
عرف العالم أردوغان صادقاً، منحازاً للحق، ومدافعاً عن الإنسانية طوال الوقت، بينما عرفنا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ثعلب مخابرات، جنرالاً باطشا، يدافع عن الاستبداد في كل مكان.
لم نعرف عن أردوغان أنه يقصف، أو يساعد على قصف أطفال ببراميل متفجرة، أو تدمير قرى بأكملها، من أجل منع سقوط ديكتاتور صديق، فتح أراضي بلاده وأجواءها لجيوش جاءت تعربد في سماواتنا، المفتوحة لكل من يساعد في قتل ربيعنا.
لكننا نعرف، بالتأكيد، أن أيادي بوتين ملوثة بدماء أهلنا في سورية، كما كانت ملوثة بدماء مواطني القرم، وقبل ذلك الشيشان، وأفغانستان، وندرك جيداً أن حاكم الكرملين، الباحث عن وضعية قيصرية مستعادة، هو آخر من يتحدث عن محاربة الإرهاب، لأنه الداعم الأول والرئيس لكل أنظمة الحكم "الداعشية أكثر من داعش"، حتى وإن أمسكت نار الإرهاب بملابسه، كما حدث مع إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، تلك الكارثة الإنسانية التي أوجعت قلب الإنسان العربي البسيط، أكثر مما أوجعت قلب قيصر روسيا، وتوابعه من صغار المستبدين بيننا.
ليس صحيحاً أن الروسي جاء يدك بلادنا، لمحاربة الإرهاب، وإنما الأقرب إلى الدقة أنه جاء من أجل حصته من جني أرباح مشروع الحرب على الإرهاب، المشروع الذي أفاد منه الجميع، إلا الشعوب العربية، إلى الحد الذي لن نكون معه بعيدين عن الحقيقة، إذا قلنا إنهم سمحوا بتخليق"داعش" وتربيته وإطلاقه في بيوتنا، من أجل حلب أبقارنا، وشفط آبارنا به، من ناحية. ومن ناحية أخرى، إكراهنا على القبول بحكم "دواعشهم" الصاعدة فوق هشيم ربيعنا المكسور.
قلت سابقاً إن روسيا والصين هما الأكثر كراهية لربيع الثورات العربية، عموما، والثورة السورية، على وجه الخصوص، كون تغيير النظام في سورية كان يعني تحولاً كاملاً في موازين علاقات الشرق الأوسط كله.
وحسب دراسة لمركز دراسات الوحدة العربية، عقب اندلاع الثورات في العام 2011، وصلت إرهاصات الربيع العربي إلى روسيا في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2011، عندما تعرّض حزب رئيس الوزراء، بوتين، إلى تراجع قوي في نتائج الانتخابات، واندلعت تظاهرات واسعة في موسكو ومدن أخرى، احتجاجاً على تزوير الانتخابات، فيما قامت الصين بحملة قمع صارمة، منذ الأيام الأولى للربيع العربي، وحظرت عبارات "ثورة الياسمين" و "الربيع العربي"، و"مصر" و"ميدان التحرير" من محرّكات البحث على الإنترنت.
أخطأت مراكز الدراسات العربية في حساباتها عام 2011، حين قدرت أن روسيا لن تتورط في الدفاع عن نظام الأسد إلى ما لا نهاية، على الرغم من أن لدى موسكو علاقات أمنية معه، حيث تملك قاعدتها البحرية المتوسطية الوحيدة هناك (في مدينة طرطوس). كانت التقديرات تذهب إلى أن "مصالح روسيا الاستراتيجية الرئيسية موجودة في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، ولها مصالح تجارية مع العديد من بلدان الغرب، ومع دول أخرى في الشرق الأوسط. وهذا يعني أن روسيا ستقف إلى جانب نظام الأسد، ولكن ليس "إلى الأبد"، فقد تسحب التأييد إذا ما تصاعد القتل بشكل كبير، أو إذا فَقَدَ النظام سيطرته بشكل واضح".
ما حدث أن القتل تصاعد والدم سال، والنظام السوري تضعضع، على نحو فادح، فلماذا لم تنفض موسكو يدها، وتتركه يذهب إلى الجحيم وحده؟
ما الذي جعلها تشاركه الجحيم، وتقفز في النار؟
ربما كان إحساس فلاديمير بوتين بامتلاك فائض قوة، أغواه بالذهاب إلى مغامرات استعراضية، يختبر بها قدرة الآخرين على تحمله، لكن الأرجح أنه أيقن أن الآخرين غير صادقين في مساعدة الشعوب على التخلص من الحكومات المستبدة. وهنا، يمكن القول إن نقطة التحول في الموقف الروسي كانت تلك اللحظة التي أخذ العالم يحسب الدقائق والثواني لبدء الضربة العسكرية الأميركية لقوات النظام السوري، بعد مجزرة الغوطة، أغسطس/ آب 2013، لتمر الساعات والأيام والشهور، وأوباما يفكر ويفكر، حتى غط في نوم عميق، أفاق منه على تمدد اختراع "داعش"، تلك الهدية التي تلقفتها أنظمة الحكم، الأكثر إرهابا ودموية.
بوتين يعربد في بلادنا، ليس كرهاً في الإرهاب، وإنما حباً في الاستبداد، وحنقاً على ربيع الديمقراطية. لذا، سوف يستمر تساقط طائراته المقاتلة، وسوف يواصل هو الخداع، وسوف تواصل شعوبنا المقاومة، دفاعاً عن حقها في الحياة، وفي الحرية.
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه