في واقعة مأساوية جديدة تكشف عن توحش "بيزنس الطب" في مصر وغياب أي رقابة حقيقية من الدولة، تحولت مستشفى "مديحة الجنزوري" التخصصي إلى "سجن للجثامين"، بعد أن احتجزت جثمان مواطنة توفيت داخلها، ورفضت تسليمه لذويها إلا بعد دفع مبالغ مالية طائلة، مستندة إلى تقرير طبي وصفه أهل الضحية بـ"المفبرك" و"الكاذب" لتضخيم الفاتورة.
هذه الفضيحة الأخلاقية والقانونية تأتي في الوقت الذي يخرج فيه وزير الصحة، خالد عبد الغفار، بتصريحات وردية عن "عظمة المنظومة الصحية" وتقديم "التجربة المصرية" كنموذج لإسبانيا، في انفصال تام عن واقع المستشفيات التي تتاجر بآلام المصريين وحرمة موتاهم.
"ادفع تستلم الجثة": ابتزاز رخيص بتقرير "مضروب"
بدأت المأساة عندما دخلت المواطنة إلى مستشفى الجنزوري لتلقي العلاج، لكن حالتها تدهورت بشكل مفاجئ وانتهت بالوفاة.
وبدلاً من أن تواسي إدارة المستشفى الأسرة المكلومة، فاجأتهم بفاتورة خيالية، ورفضت استخراج تصريح الدفن أو تسليم الجثمان.
شقيق الضحية، الذي ظهر في فيديو استغاثة مؤثر، كشف أن المستشفى أصدر تقريراً طبياً يحتوي على تشخيصات وإجراءات "وهمية" لم تتم، بهدف تبرير المبالغ المطلوبة، مؤكداً أنهم يحاولون "لي ذراع" الأسرة بجثمان ابنتهم لإجبارهم على الدفع مقابل "خدمات لم تقدم".
هذا السلوك لا يمثل فقط انتهاكاً صارخاً للقانون الذي يجرم احتجاز الجثامين، بل يعكس انحداراً أخلاقياً مروعاً لمنشأة طبية يفترض أن تكون "ملاذ رحمة" لا "مصيدة ابتزاز".
سوابق "الجنزوري": تاريخ من المخالفات والإتجار
ليست هذه هي المرة الأولى التي يرتبط فيها اسم مستشفى "الجنزوري" بوقائع كارثية. ففي عام 2021، أصدرت وزارة الصحة قراراً بإغلاق المستشفى وحبس صاحبها بعد تورطه في قضية "إتجار بالأعضاء البشرية"، حيث كشفت التحقيقات عن استغلال حاجة الفقراء لشراء كلاهم وبيعها لأجانب بمبالغ طائلة.
كما سبق إغلاق غرف العمليات بها في 2018 بسبب مخالفات جسيمة ومساومة مريض على توقيع إيصالات أمانة.
عودة المستشفى لممارسة نفس الانتهاكات اليوم تطرح تساؤلاً خطيراً: من يحمي هذا الكيان؟ وكيف يُسمح لمستشفى بـ"سجل جنائي" كهذا أن يستمر في العمل والتلاعب بأرواح المصريين وأموالهم دون رادع حقيقي؟
وزير الصحة في "كوكب آخر": يسوق الوهم لإسبانيا بينما الداخل ينهار
المفارقة الصارخة هي تزامن هذه الاستغاثة مع تصريحات الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، خلال اجتماعه مع وزيرة الصحة الإسبانية، حيث تحدث عن "تعميق الشراكة" و"تبادل الخبرات"، مقدماً ما أسماه "التجربة المصرية" في الإصلاح الصحي كنموذج يحتذى به! عن أي تجربة يتحدث الوزير؟
هل هي تجربة احتجاز الجثامين في المستشفيات الخاصة؟ أم تجربة نقص الأدوية والمستلزمات في المستشفيات الحكومية؟ أم تجربة تحويل المريض إلى "زبون" يُستنزف حتى آخر نفس؟
تصريحات الوزير تكشف عن حالة "إنكار" رسمي للواقع المزري، ومحاولة لتصدير صورة دعائية للخارج لا وجود لها في الداخل. فبينما يتحدث عن "المنظومة الشاملة" و"الرعاية المتكاملة"، يضطر المواطن المصري للاستدانة وبيع ممتلكاته ليعالج ذويه في مستشفيات خاصة تمارس عليه "البلطجة" المقننة، أو يموت على أبواب مستشفيات حكومية تفتقر لأبسط المقومات.
إن ما يحدث في "الجنزوري" هو إدانة مباشرة لسياسات الوزارة التي تركت الحبل على الغارب للقطاع الخاص لينهش لحم المواطنين، بينما تكتفي هي بدور "المتفرج" أو "المسوق" لإنجازات وهمية على شاشات الفيديو كونفرانس.

