في خطوة تكشف عن الوجه الحقيقي لنظام يرى في كل ما تملكه الدولة غنيمة مشاعة، تتصاعد أصوات الغضب الشعبي والتحذيرات الحقوقية من مخطط عبد الفتاح السيسي للاستيلاء على أموال وأراضي الأوقاف المصرية، التي تعد "مال الله" المخصص للفقراء والمحتاجين، واستخدامها كطوق نجاة لسداد فوائد الديون المتراكمة التي أغرق بها البلاد.
العملية التي توصف بأنها "أكبر عملية نصب" في تاريخ مصر الحديث، لم تكتفِ بنهب الآثار وبيع أصول الدولة، بل امتدت لتطال لقمة عيش الفلاح البسيط عبر قوانين "مفصلة" تشرعن نزع الملكية ورفع الإيجارات بشكل جنوني، بتنفيذ مباشر من حكومة مصطفى مدبولي وبغطاء ديني من علي جمعة.
اكبر عملية نصب بيعملها #السيسي على اموال المسلمين وعايز يأكل البيضة الذهب في كرشه ، لم يكتفي بنهب آثارنا ومناجم ذهبنا( ١١٢٠ منجم) ، بيدور على #اموال_الأوقاف وبيصادرها لحسابه {علشان يسدد فوايد ديونه} في بلد تحتاج للزراعة و الزراعة تحتاج للدعم ، بدلا من ذلك بيجي على الفلاح وبينزع… pic.twitter.com/U4D7DddyuA
— سمية الجناينى (@somayyaganainy) December 23, 2025
قوانين "الجباية المقدسة": تشريع النهب
الأداة الأخطر في هذه المعركة هي الترسانة التشريعية التي سُنت خصيصاً لتمرير هذا المخطط. القانون رقم 209 لسنة 2020 بشأن "إعادة تنظيم هيئة الأوقاف المصرية" يمثل حجر الزاوية في هذه العملية، حيث منح الهيئة صلاحيات واسعة وغير مسبوقة للتصرف في أراضي الوقف بالبيع والاستبدال "بالممارسة" (أي دون مزاد علني شفاف في كثير من الحالات)، مما يفتح الباب واسعاً أمام الفساد والمحسوبية.
والأخطر هو ما كشفته تقارير عن مساعي النظام لضم أصول الأوقاف، المقدرة بنحو 1.5 تريليون جنيه، إلى "الصندوق السيادي"، وهو "الصندوق الأسود" الذي لا يخضع لأي رقابة برلمانية أو قضائية، ويتحكم فيه السيسي بشكل مطلق. هذا التحول يعني عملياً تأميم أموال الوقف الإسلامي، التي صانها الشرع والقانون لقرون، وتحويلها إلى أصول مالية تُباع وتُشترى في أسواق الديون، بعيداً عن مصارفها الشرعية التي حددها الواقفون.
مذبحة الفلاحين: إيجارات "الخيال" ونزع الملكية
على الأرض، يدفع الفلاح المصري الثمن الأبهظ لهذا المخطط. فقد أصدرت هيئة الأوقاف، بتوجيهات حكومية، قرارات برفع القيمة الإيجارية لأراضي الأوقاف الزراعية بنسب خيالية وصلت إلى 247% في بعض المناطق، حيث قفز إيجار الفدان من 19 ألف جنيه إلى 55 ألف جنيه سنوياً، وهو رقم يفوق العائد الاقتصادي لأي محصول استراتيجي مثل القمح أو البنجر.
هذه الزيادات الجنونية ليست مجرد "تعديل أسعار"، بل هي سياسة تهجير ممنهجة. المزارعون الذين لا يستطيعون الدفع يواجهون الطرد الفوري ونزع الحيازة، ليتم تسليم أراضيهم إلى "مستثمرين كبار" أو شركات تابعة للجيش، بحجة "الاستثمار الأمثل". نقيب الفلاحين وصف الوضع بـ"خراب بيوت"، مؤكداً أن هذه القرارات ستحول أراضي الأوقاف إلى "بور" أو "مقالب قمامة" بعد عزوف المزارعين عنها، مما يهدد الأمن الغذائي المصري في الصميم.
علي جمعة ومدبولي: الثنائي "المحلل" و"المنفذ"
في هذا المشهد، يلعب الدكتور علي جمعة، المفتي السابق ورئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، دور "المحلل الشرعي" لهذه السياسات، عبر فتاوى ومواقف تبرر تصرف الدولة في أموال الوقف "للمصلحة العامة"، متجاهلاً القاعدة الشرعية الراسخة "شرط الواقف كنص الشارع". وفي المقابل، يقوم مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بدور "المنفذ الأمين" الذي يترجم هذه التوجيهات إلى قرارات إدارية صارمة، لا تراعي بعداً اجتماعياً ولا ترحم فقيراً.
إن ما يحدث لأموال الأوقاف ليس مجرد "إصلاح إداري" كما تزعم الحكومة، بل هو عملية سطو منظمة على ثروة قومية ودينية، تهدف لبيع ما تبقى من أصول الدولة لسداد فاتورة فشل اقتصادي ذريع، حتى لو كان الثمن هو تجويع الفلاحين وتدمير الزراعة المصرية. هذه السياسات تؤكد أن النظام الحالي لا يرى في مصر سوى "سوق كبير" للبيع، وفي شعبها سوى "مستأجرين" يمكن طردهم في أي لحظة.

