تشهد محافظات مصر خلال الأسابيع الأخيرة تصعيدًا أمنيًا لافتًا، تمثّل في حملات اعتقال موسّعة استهدفت فتيات وسيدات، من بينهن قاصرات، في وقائع أثارت قلقًا حقوقيًا واسعًا بشأن سلامة النساء واحترام الضمانات القانونية الأساسية.
ووفق معلومات موثقة، بلغ عدد المعتقلات خلال الأسبوعين الماضيين على الأقل 17 سيدة وفتاة، مع ترجيحات بوجود أعداد أخرى لا تزال قيد الرصد داخل أماكن احتجاز غير رسمية ومقار تابعة للأمن الوطني في عدد من المحافظات.
وبحسب ما تم توثيقه، نفذت قوات الأمن حملات اقتحام متكررة لمنازل المواطنين، خاصة في محافظات القاهرة الكبرى والشرقية، اتسمت بالعنف المعنوي وترويع الأسر، بما في ذلك الأطفال وكبار السن.
وأسفرت هذه المداهمات عن اعتقال فتيات وسيدات قسرًا دون إبراز أوامر ضبط وإحضار، واحتجازهن لفترات متفاوتة داخل مقار الأمن الوطني، خارج إطار القانون، ودون تمكين ذويهن أو محاميهن من معرفة أماكن احتجازهن أو التواصل معهن.
وأفادت المصادر بأن المعتقلات تعرّضن خلال فترات الاحتجاز غير القانونية لاستجوابات مطوّلة وضغوط نفسية وصحية قاسية، في ظل غياب أي إشراف قضائي فعّال، وعدم تدخل النيابة العامة أو ممثليها في المحافظات المختلفة للتحقق من قانونية إجراءات القبض والاحتجاز.
وبعد أيام أو أسابيع من الإخفاء، جرى عرض عدد منهن على نيابة أمن الدولة العليا أو النيابات العامة، التي أصدرت قرارات بحبسهن احتياطيًا لمدة 15 يومًا على ذمة قضايا وُصفت بأنها ذات طابع سياسي.
كما جرى ترحيل عدد كبير من السيدات والفتيات إلى سجن «تأهيل 4» بسجن العاشر من رمضان، وسط مخاوف جدية تتعلق بظروف الاحتجاز والرعاية الصحية والنفسية، لا سيما في ظل شهادات سابقة عن سوء الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز والسجون الجديدة.
وتؤكد الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، التي وثّقت هذه الوقائع، أن الرقم المعلن وهو 17 معتقلة يمثل الحد الأدنى فقط، في ظل معلومات مؤكدة عن وجود حالات أخرى لا تزال رهن الاحتجاز في مقار غير رسمية، يجري العمل على حصرها وتوثيقها.
وتشير الشبكة إلى أن الاستهداف لم يقتصر على ناشطات سياسيات، بل شمل فتيات وسيدات لا ذنب لهن سوى صلتهن العائلية بمعتقلين أو مطلوبين أمنيًا، أو بسبب تعبيرهن عن آرائهن الرافضة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
وتحمّل الشبكة السلطات الأمنية المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الخطير، معتبرة أن التوسع في اعتقال النساء والفتيات يمثل انتهاكًا جسيمًا للدستور المصري، وللقوانين الوطنية، والمواثيق الدولية التي صدّقت عليها مصر، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
ويحذر التقرير من أن هذه السياسات تأتي في وقت يشهد فيه المجتمع المصري تدهورًا حادًا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاعًا غير مسبوق في معدلات الفقر والبطالة، إلى جانب حالة من الانفلات الأمني وانتشار البلطجة والمحسوبية.
كما لفت إلى أن مقاطع مصوّرة تداولها مواطنون خلال الفترة الماضية كشفت عن وقائع فساد وانتهاكات شابت العملية الانتخابية لمجلس النواب، وهو ما كان يستوجب، بحسب التقرير، توجيه جهود أجهزة الأمن لحماية المجتمع ومكافحة الفساد، بدلًا من ملاحقة النساء والزج بهن في السجون.
ويختتم التقرير بدعوة عاجلة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع السيدات والفتيات المحتجزات تعسفيًا، وفتح تحقيق مستقل وشفاف في وقائع الاعتقال والإخفاء القسري، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات، احترامًا لسيادة القانون وحفاظًا على كرامة نساء مصر وسلامة المجتمع بأسره.

