تداولت منصات التواصل خلال الساعات الماضية مقطعًا صادمًا لسيدة مصرية تعرض أبناءها للبيع أو التنازل، في مشهد يلخص مستوى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد تحت حكم الانقلاب. لم يعد الفقر مجرد أرقام في تقارير رسمية، بل أصبح وجوه أطفال مذعورة تُستعمل كاستغاثة أخيرة من أم crushed بين الجوع واليأس، في دولة تنفق المليارات على القصور والعواصم الوهمية بينما تدفع مواطنيها حرفيًا لعرض أولادهم في "سوق النجاة".

 

غضب شعبي: لعنات على السيسي وصرخات تطالب بالخلاص

 

الناشط أنس حبيب لخص حالة القهر في صرخة مباشرة: «الله يلعنك يا سيسي الكلب ..الله يلعنك زي ما عملت في المصريين كده! ولا في أسوأ كوابيسي إنه حال المصريين يوصل للبؤس والقهر ده إن ست تصور عيالها وتعرضهم للبيع! يا رب كن لهم واعنا نخلص من الكلب الملعون ده!

 

 

هذه الكلمات لا تصدر عن "معارض سياسي محترف"، بل عن شاب يرى بلده تُهان حتى آخر خط أخلاقي: أمّ تضطر أن تضع أولادها أمام الكاميرا كسلعة، لأن الدولة قررت أن تنفق على "المراسم" و"المواسم" و"المهرجانات" أكثر مما تنفق على البشر.

 

ناشطة أخرى، فاطمة، لم تعد تسأل عن "إصلاح" بل عن لحظة الانفجار: «#السيسي_عدو_الله متى ينزل الشباب للشارع لاقتلاع كل أنواع الظلم»
 

 

المشهد لا يترك مساحة للرمادي: إما شعب يستعيد كرامته، أو نظام يواصل إذلاله حتى يتعود على منظر بيع الأطفال كما تعوّد على طوابير الخبز وانقطاع الكهرباء.

 

ليست قضية دين.. بل حكومات تسرق 97% وتترك الشعوب على 3%

 

الغضب لم يأتِ فقط من الداخل المصري؛ حساب "بيتو" كتب بوضوح: «مو ذنب الدين ولا النبي. ذنب الحكومات يلي. تاركة الشعوب تعيش على ٣٪ من الدخل القومي وماخذه ٩٧٪ من الدخل لحيوبها»
 

 

هذه المعادلة تختصر جوهر أزمة مصر في عهد السيسي: نظام يراكم الديون، يبيع الأصول، يبني القصور، يشتري طائرات رئاسية ويعوّم العملة تلو الأخرى، ثم يترك المواطن يواجه الغلاء وحده حتى يجد نفسه أمام خيار وحشي: إمّا أن يجوع هو وأولاده، أو أن يبيع أولاده لينجو الباقون.

 

المواطن عبد الله كتب: «نظرات الأطفال موجعة ومؤلمة حسبنا الله وهو نعم الوكيل . "وسوف تسألون"»

 

 

هذه ليست لغة نقد سياسي؛ هذه لغة شهادة أمام الله والتاريخ: طفل يُستخدم في فيديو استغاثة، عيون ممتلئة بالخوف وعدم الفهم، ومجتمع يُدفع دفعًا لقبول هذا المشهد كجزء من "العادي الجديد".

 

شعب يُسحق بين قصور العلمين وجوع الأحياء العشوائية

 

حساب "مصري" عبَّر عن ما يدور في صدور ملايين: «لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، حسبنا الله علي الفاشله اللي افقروا مصر ودمروها ونهبوها وأمرضوها، حسبنا الله ونعم الوكيل على خللي المصريين بيعرضوا عيالهم للبيع علشان يقدروا يعيشوا، حسبنا الله في النظام اللي بيبلبط بفلوسنا 3 شهور في العلمين و3 شهور في اسوان والشعب بيسف تراب»
 

 

العبارة المفتاحية هنا: "3 شهور في العلمين و3 شهور في أسوان والشعب بيسف تراب". نظام حول الدولة إلى مسرح للمهرجانات الصيفية والشتوية، والكاميرات والاحتفالات، بينما الأحياء الفقيرة تعيش على حافة الانهيار الكامل، حتى صار بيع الأطفال – ولو تحت لافتة "التنازل" – وسيلة ضغط على ضمير مجتمع اختنق من كثرة ما رأى من مظاهر الترف السلطوي وسط خراب عام.

 

الناشطة "حوسة" ربطت المشهد بالتاريخ العالمي: «ما حدث في مصر اليوم هو نفسه ما حدث في أمريكا خلال فترة الكساد الكبير.»
 

 

لكن الفارق أن أمريكا آنذاك واجهت الأزمة بتغيير جذري في السياسات وبناء شبكة حماية اجتماعية، بينما مصر اليوم تُدار بمنطق إنكار الواقع، تحميل الفقراء مسؤولية الإنجاب، واعتبار أي استغاثة "إساءة لصورة الدولة".

 

أم تبيع أبناءها.. دولة بلا قلب ولا خجل

 

الفيديو – مهما كانت تفاصيله القانونية أو الظروف الخاصة بصاحبته – لم يظهر في فراغ. هو نتاج سنوات من الإفقار المنهجي، ورفع الدعم، وتعويمات متتالية للجنيه، وديون خنقت الموازنة، وسياسات لم ترَ في المواطن سوى "عبء" لا "ثروة بشرية". حين تصل أم إلى لحظة تعرض فيها أبناءها على العلن، فهذا يعني ببساطة أن كل شبكات الحماية – الأسرة، المجتمع، الدولة – قد انهارت.

 

في دولة تحترم نفسها، يستقيل وزير أو يُحاسَب رئيس حكومة إذا ظهرت حالة واحدة بهذا الشكل. في دولة السيسي، يُمنَع النشر، تُلاحق الأصوات الغاضبة، ويُطلَب من الناس "تحمل ظروف المرحلة". لكن كما كتب أنس حبيب: أن يصل الحال إلى أن تصبح أسوأ كوابيسنا واقعًا مصورًا، فهذه ليست "ظروفًا اقتصادية"، بل شهادة إدانة كاملة لنظام فقد شرعيته الأخلاقية قبل السياسية.

 

ما حدث في هذا الفيديو ليس "واقعة فردية"، بل مرآة مكبّرة لبلد حوّله الانقلاب إلى مصنع كبير للبؤس، حيث يصبح الطفل ورقة ضغط، والأم وسيلة استغاثة، والمجتمع بين لعنات وقهر وانتظار لانفجار لا بد أن يأتي.